المتتبع لما يعرض على المحاكم من قضايا القتل والاغتصاب والخيانة الزوجية والفساد والرشوة، فلكثرتها يوشك أن يفقد الثقة في وجود منظومة للأخلاق لدى مجتمعنا المسلم، فالقانون لا قدرة له على الزجر الوقائي لأنه مادي لا يخاطب الروح ولا القلب ولا يعترف بالقيم والأخلاق لكونه منتجا علمانيا بشريا، يسهل على المجرمين التحايل عليه، إما عن طريق الاستغفال، أو عن طريق تقديم الرشاوى إلى بعض القضاة من أجل تجنب العقوبة أو التخفيف من ثقلها.
فعندما نقرأ أن شابا مسلما يقدم على اغتصاب معاقة بمنطقة عين حرودة، بعد أن استدرجها بحجة أنه محسن وأوهمها بإمكانية مساعدتها، وعندما نعلم أن مجموعة من الشباب المسلمين أقدمت على قتل رجل مسلم وزوجته بمدينة مكناس، وطحنوه بآلة فرم اللحم (الكفتة)، وعندما نسمع أن عصابة مكونة من خمسة أشخاص هاجمت، منزلا بإقليم قلعة السراغنة، واختطفت فتاتين وقامت باغتصابهما، وعندما تطالعنا الأخبار أن ثلاثة أشخاص اقتحموا منزلا بجماعة الهيادنة، واغتصبوا زوجة صاحب المنزل، ناهيك عن الشباب القابع وراء قضبان السجون بتهم القتل في حق الآباء والأمهات والأجداد، حين نسمع كل هذا وغيره كثير، ندرك أن الأمر لم يعد يحتمل السكوت أو الصبر، وأن على الحكومة أن تعيد النظر في القوانين الرادعة لأنها كما أسلفنا الذكر مستقاة من منظومة فكرية وضعية بشرية، وأن تفتح نقاشا وطنيا حول تكييفها وفق ما نصت عليه الشريعة الإسلامية، ما دام أن القوانين العلمانية لم تؤت أكلها حتى في بيئتها الأم.
نعلم أن مثل هذا الكلام لن يروق الكثير من العلمانيين، لكن لماذا نخجل من اقتراح هذا الحل الذي يسنده تاريخ الأمة وقرآنها وسنة نبيه، ما دام العلمانيون لا يجدون حرجا في المطالبة ليلا ونهارا بحبس الدين في دور العبادة، ونبذ ما تبقى من الإسلام في قوانين البلاد، والعمل على ملاءمتها مع العهود والمواثيق الدولية التي أنتجها الإنسان الأوربي وفرضها على الدول الإسلامية فرضا.
إن معدل الإجرام المرتفع الذي سجل في السنوات الأخيرة في المغرب مؤشر على انهيار دور المسجد والأسرة ونظام التعليم، مما ينذر بخطر داهم يجب أن يكون محل دراسة حكومية عاجلة، تفك إشكالية الارتباط بالغرب ومفاهيمه حول الضبط والتنظيم والتقنين، إذ علينا أن نصوغ ما يناسبنا كمسلمين، فمرجعيتنا الإسلامية وهويتنا العربية الأمازيغية المحافظة، وبيئتنا الاجتماعية كلها خصوصيات تدفعنا إلى إعادة النظر في قوانيننا الوطنية.
قد يُرجع بعض الناس ارتفاع الجرائم إلى تفشي الفقر والبطالة والأمية، إلا أن هذا التعليل لا يصمد كثيرا أمام البحث والتحليل، إذ نجد أن الجرائم ترتكب من الأغنياء والفقراء على حد سواء، مما يثبت أن الخلل ليس في الفقر والأمية والبطالة بمفردها، فالمغرب قبل هيمنة الثقافة المادية العلمانية النفعية كان يعيش معدلا للفقر والبطالة والأمية أكثر ارتفاعا، إلا أن منظومة القيم الإسلامية كانت تمنع الزاني من الزنا، والمغتصب من انتهاك عرض أخيه، إلا أن استمرار الغزو الغربي العلماني المستمر والذي أوشك أن يكمل قرنا من الزمن تسبب بشكل فعلي وسريع في تآكل منظومة القيم بفعل الهجمات السياسية والاقتصادية والثقافية والتشريعية والتنصيرية..وبفعل محاصرة العلماء والتضييق عليهم.
فمن يصدق أو يستوعب أن زي المرأة مثلا تطور تلقائيا من لبس الحايك إلى ارتداء التنورة القصيرة التي تنحسر عن معظم الفخذين في أقل من خمسين سنة؟
وهل من عاش قبل الاستقلال كان يتصور أن المغاربة سيكون فيهم من يعانق خليلته ويقبلها في مشهد جنسي على مرأى من الناس وفي الشارع العام؟
إن ما وصلنا إليه من تدن ٍ على مستوى القيم يتطلب من المسئولين وفي مقدمتهم الولاة والعلماء والوزراء وقفة حازمة وجريئة قبل فوات الأوان، وقبل أن ينفجر الوضع الاجتماعي الهش، فالإيمان يغلب الفقر بالقناعة والصبر والرضا بالقدر، ومع ضعف الإيمان يصبح الفقر دافعا إلى ارتكاب العظائم والموبقات، فإذا كانت العرب قديما تعتقد أن الحرة إذا جاعت لا تأكل بثدييها -كناية عن الزنا-، فذلك لأن الحرة عندها من القيم العربية ما يجعلها تتحمل شظف العيش على أن تلحق عار الفاحشة بنفسها أو أسرتها.
أما في ظل الثقافة العلمانية فصرنا نسمِّي الزواني أمهات عازبات نتكفل بحمايتهن من أي نظرة ناقصة من المجتمع، ومع ضعف التربية الدينية وانهيار الأسرة تزيد تلك الحماية من تفشي فاحشة الزنا التي أمرنا باجتنابها، قال تعالى: “وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً” الإسراء، فماذا ننتظر بعد أن صار يعيش بيننا مائتي ألف (200000) طفل كلهم أبناء زنا، لقد بات لزاما أن تشكل شرطة خاصة بالأخلاق، ولا ينبغي أن يعبأ بعويل العلمانيين فهم لا يرون في انتشار الزنا أو كثرة أبنائه سوى تطورا طبيعيا للسلوك الجنسي لدى المواطنين، وصدق الله الذي يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير حين قال: “وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً” النساء.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل