لصالح من أغلقت دور القرآن؟

يذهب الكثير من المراقبين إلى أن قرار إغلاق دور القرآن لا علاقة له بحماية الثوابت، أو الحفاظ على هوية المغاربة، أو تصحيح مخالفة للقانون، وإنما تم إغلاقها في إطار الهاجس الذي حكم خطة إعادة هيكلة الحقل الديني في شقها الأول والذي أفرزته أحداث الدار البيضاء الإرهابية.
وحسب بعض المتتبعين فإن عملية الإغلاق تطلبتها إستراتيجية إحياء ما اندثر من الزوايا والقباب وذلك لمحاربة تيار ينتج خطابا ينزع إلى المطالبة بالدليل العلمي الشرعي عن كل ما يجب أن يمتثله المسلمون في أوامر دينهم الحنيف، الشيء الذي تعتبره بعض الدوائر المهتمة بإعادة تنظيم الحقل الديني وهيكلته أمرا يهدد وجود أفكار وعقائد بالية محشوة بالخرافة والبدع يهم تلك الدوائر بقاؤها وتقويتها، الأمر الذي يعتبر من قبيل المستحيلات مع استمرار نشاط دور القرآن، خصوصا مع انفتاح المغاربة الإعلامي على القنوات الفضائية والمواقع العلمية الكثيرة التي تتبنى المنهج الشرعي والبحث العلمي فيما تبثه من برامج.
لهذا لا بد أن نتساءل لصالح من أغلقت دور القرآن؟
وما الخطر الذي يمثله استمرارها في تقديم خدماتها للمواطنين؟
هؤلاء المواطنون الذين أهمَّهم وأضرَّ بهم إغلاق أكثر من ثلاثين جمعية تؤطر أكثر من خمس وستين دارا للقرآن كانوا ينتظرون بفارغ الصبر السؤال الشفوي بالبرلمان آملين أن يزف إليهم وزير الداخلية خبر إلغاء قرار الإغلاق، لكن للأسف الشديد خابت آمالهم وآمال كل المهتمين سواء من المستفيدين من خدمات الجمعيات المغلقة أو من باقي مكونات المجتمع المغربي الذي شجب فضيحة إغلاق دور القرآن في شهر القرآن.
إن الكثير من الجمعيات التي ما زالت تؤطر الكتاتيب القرآنية يتملكها الخوف، حتى أن بعضها ينتظر دوره ليُعتدى على حقه في إقراء القرآن الكريم، وحريته في التنظيم والتجمع القانوني.
كثير من المتضررين من قرار الإغلاق والذين كانت تلك الجمعيات توفر لأبنائهم أماكن لمتابعة الدراسة، وتساعدهم على تربيتهم في هذا الزمن الذي يطبعه الانحراف الأخلاقي، يتساءلون لماذا لم تقم وزارة الداخلية بسحب رخص الحانات ومنع بيع الخمور في الأسواق الممتازة التي تتسبب بشكل مباشر في مئات الحالات من القتل العمد وحوادث السير كل شهر؟
تساؤل وجيه، خصوصا وأن السيد الوزير يعلم جيدا الكمَّ الهائل الذي تنتجه شركات صناعة الخمور، وعدد القنينات التي تفرَّغ في بطون أبناء المسلمين.
ألا يضر نشاط هذه الشركات وتلك الحانات بالصحة العامة والسكينة العامة والأمن العام؟
أم أن دور القرآن التي تشارك بفعالية عالية في تحقيق السلم الاجتماعي وبناء شخصية المواطن الصالح وتدعم مبادرة التنمية البشرية، هي من يخل بالصحة العامة والسكينة العامة والأمن العام على حد تعبير السيد الوزير في البرلمان؟
على المسؤولين أن يعيدوا النظر في التعاطي مع هذا الملف الذي تصر الكثير من الأطراف على تجاهل الحديث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى اتخاذ قرار الإساءة إلى آلاف المواطنين ويتسترون وراء تفسير أستاذ جامعي لآية درج علماء المسلمين على تبنيه منذ قرون من الزمن على حسب ما أفاد به مدير دار الحديث الحسنية.
فلا يدري المرء حقا كيف ينتظر المسؤولون من المواطنين أن يتفهموا إقدام السلطات على إصدار قرار تسريح الآلاف من الطلبة والمدرسين، وتشريد الآلاف من الأطفال بحجة أن لجمعياتهم علاقة مع شخص الدكتور المغراوي.
وأغرب الغرائب أن تسمع من وزيري الداخلية والأوقاف إشفاقهما على نفوس أتباع ثلاث جمعيات أو أربع طالبت بالانتقام من الدكتور المغراوي لأنها روَّعها تفسيره لآية الطلاق، بينما لم يكترثا إلى ترويع قراراتهما لآلاف المواطنين من حملة القرآن وطلبته وأكثر من خمس وثلاثين جمعية هي جزء من المجتمع المدني، معترف بها من طرف السلطات الإدارية.
إن الطريقة التي تعاملت بها الوزارتان تعطي الانطباع لدى المواطنين أن الدولة تميز بين رعاياها على أساس طبيعة مظاهرهم وأفكارهم ولا تعترف إلا بمن اعترفت به المنظمات الدولية ودافعت عنه وتبنت برامجه وموَّلتها، كما هو حال كل الجمعيات التي نهضت مطالبة بالانتقام من شخص المغراوي ومن له صلة به بشكل أو بآخر، على حد تعبير من صاغ نص مذكرة وزارة الداخلية التي استند إليها رجال السلطة في عملية إغلاق دور القرآن.
لقد بات من الضروري أن يعاد النظر فيمن يخطط لمستقبل المغرب ويضع إستراتيجية التعاطي مع ملفاته الكبرى، حتى نجنب بلادنا مزالق قد تودي بنا إلى هاوية الصدام والتناحر، كما أصبح لزاما علينا أن نبحث عن حلول لمشاكلنا دون أن نتأثر بإكراهات الدول التي يهمها أن تتسع الهوة بين ملك البلاد والمخلصين من رعاياه.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *