ضرب العلماء بمؤسستي الملك وإمارة المؤمنين إرهاب علماني وأسلوب ظلامي

خلال الجدل الذي أثارته مشاركة ملك اللواطيين في مهرجان موازين الأخير بين العلماء والدعاة وبين الأقلام العلمانية المعروفة بعدائها للوجود الفعلي للدين في المغرب، بدا واضحا أن العلمانيين قد أفزعهم أن يتكلم علماء ينتمون إلى مؤسسات دينية رسمية في أمر يعتبرونه خارجا عن الدين.

فزع العلمانيين هذا، ترجمه أغلبهم بنفثهم لمكنونات صدورهم من الحقد والكراهية في شكل هجوم شديد استعملوا خلاله كل الأساليب الخسيسة التي تنم عن ضحالة ما يدعونه من ثقافة الحوار وقبول التنوع والاختلاف والتعايش مع “الآخر”.
ففي مقال حول الموضوع نشرته مجلة نيشان العلمانية في عددها الأخير تحت محور “دين” استعمل كاتبه كلمتي “الملك” أو “أمير المؤمنين” ما يناهز ثمان مرات محاولا في مجموعها أن يرهب رئيس المجلس العلمي لعين الشق السيد رضوان بنشقرون. معتبرا أن موقفه من مشاركة اللواطي المذكور في المهرجان، وإصداره لبيان يعبر عن موقف المجلس العلمي هو عمل يصادم إرادة الملك ويناقض مشروعه الحداثي.
الموقف نفسه اتخذه العلماني نور الدين عيوش حيث قال: “هاد السيد ديال المجلس العلمي راه خاص وزارة الأوقاف تقولو يدخل سوق راسو، لأن هادشي ماشي شغلو.. هناك أمير مؤمنين واحد في هذه البلاد وليس اثنين، ولا يمكن لأي كان أن يحتل مكان الملك” )أخبار اليوم، ع: 144(.
الخسة نفسها طبعت رأي جريدة الأحداث عدد 4052 حيث ختم كويتبها سعيد الكحل مقاله، بعد أن ذكر جريدة السبيل ودور القرآن ويومية التجديد وكل التيار الإسلامي، واصفا إياها بأنها دوائر تطرف وغلو تتقاسم الأدوار “بهدف تطويق النظام الملكي ومنازعة إمارة المؤمنين اختصاصاتها الدستورية والدينية، وعلى رأسها الإفتاء والاستغلال السياسوي للدين. فالتطرف عقيدة واحدة وإن تعددت ألوان طيفه وتنوعت أنشطة فصائله..”.
أليس من الدناءة أن يحاول العلمانيون إظهار من تكلم من العلماء بمظهر الخارج عن أمير المؤمنين سدده الله تعالى ووفقه لكل خير؟ وكأن على العلماء إن هم تولوا مناصب رسمية أن يكونوا مجرد أقماع تُمرِّرُ ما تُملأ به دون إعمال لإرادة أو نظر.
أوليس من الخسة أن يقوم الذين يدَّعون أنهم حُماة الديمقراطية وسدنة الحداثة بإيغار صدر السلطان، دفعا له حتى يتخذ بشأن أولئك العلماء إجراءات تأديبة؟
ومن يدري؟ فربما أزّت كتاباتهم بَعْضَ المسؤولين عن الشؤون الإسلامية ممَن تهمهم الكراسي ولا تهمهم الشؤون الإسلامية، فيتخذوا موقفا استباقيا حماية لأنفسهم خوفا من زوال نعمة لا بد زائلة.
إن مشروع علمنة المغرب يبنيه العلمانيون على أسس أهمها:
– أولا: خلق الصراع بين المؤسسة الملكية وبين العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية والجمعيات الدينية وكل الفاعلين في نشر الدين والدعوة إلى الله.
– ثانيا: الانحراف بالمشروع الحداثي الذي أعلن عنه أمير المؤمنين سدده الله تعالى ليأخذ مسارا علمانيا تغريبيا، من خلال استغلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإعطاء معنى للحداثة مرادف لما هو قائم في الغرب، يقبل باللواطيين ويرسم الزنا والبغاء، ويفصل الدين عن الحياة.
– ثالثا: اختراق مشروع إعادة هيكلة وتأهيل “الحقل” الديني (محمد المرابط مندوب تطوان نموذجا)، محاولة منهم لضرب الحصار على الشؤون الإسلامية حتى لا يدخلها إلا من له نظرة علمانية للتدين تقتصر على التعبد الشخصي والتأله الفردي. لذا في الوقت الذي يقوم فيه العلمانيون بمحاصرة العلماء والدعاة نراهم يطالبون الدولة والمسؤولين على المؤسسات الدينية في المغرب بإشراك المتنورين ممن يخدمون مشروع التمكين للحداثة بالمفهوم العلماني في تنظيم وإعادة هيكلة “الحقل” الديني.
– رابعا: حصار الدعاة والعلماء وتشويه صورتهم ونصب العداء لكل التيارات الإسلامية، (ملف دور القرآن وقضية إحتكار الفتاوى وقضية مهرجان موازين نموذجا).
– خامسا: نشر الأفكار والتصورات والمبادئ العلمانية عبر الأحزاب اللادينية والجمعيات الحقوقية والمنظمات النسوية، والضغط من خلالها على السلطات من أجل تبني مفاهيم حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها في الغرب ودون أي تحفظ (إلغاء عقوبة الإعدام والمساواة في الإرث بين الرجال والنساء المطالبة بإلغاء قوانين منع بيع الخمور للمسلمين ومعاقبة شاربيها نموذجا).
– سادسا: تشجيع الممارسات والسلوكيات الشاذة كاللواط والزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات، والموسيقى الماجنة والرقص، والعري الفاضح والأفلام المتضمنة للانحرافات السلوكية والعقدية.
وغيرها من الأسس التي تروم بناء مجتمع مغربي على أسس علمانية يكون فيه الدين حبيس جدران المساجد، والعلماء والدعاة والوعاظ وكل القيمين الدينيين مجرد “كراكيز” أو “بيادق” تطوع الشريعة الإسلامية لخدمة العلمانية، فالعلماء في المنظور العلماني لا يجب أن ينكروا الاختلاط والتبرج والعري الفاضح في الشوارع وعلى الشواطئ بوصفها الأسباب المباشرة للزنا والفساد، وإنما عليهم أن ينبهوا الناس إلى الأمراض الجنسية المتعفنة فقط، حتى يساهموا في مجتمع حداثي ينظم الزنا لكن يحافظ على صحة المواطن، لأن منع الزنا وأسبابها رجعية وظلامية لتقييدها الحرية الفردية: أسمى مقدس في العقيدة العلمانية، بينما العمل على الحد من آثار شيوع الزنا واللواط دون التعرض إلى الحرية في ممارستهما هو دليل الحداثة والانفتاح والتسامح.
أما مؤسستا المُلك وإمارة المؤمنين فلا محل لهما في المشروع العلماني رغم بعض التصريحات التي ظاهرها الإخلاص للملكية بينما باطنها العمل على اجتثاثها بالتدريج الممنهج.
فمن يتتبع تصريحات العلمانيين التي تعبر عن مواقفهم من الملكية وإمارة المؤمنين يجدهم ينقسمون إلى قسمين:
– القسم الأول: يطالب أصحابه بتقييد اختصاصاتهما بالتدريج حتى يصبح الملك يسود ولا يحكم على غرار الملكيات الأوربية التي تحكمها العلمانية، حيث يستقيل الملك من كل الوظائف الحكومية ولا يتدخل في شؤون الحكم، ويقتصر على رئاسة الشؤون الدينية للمساجد، مع منع هذه الأخيرة من أي تدخل في الحياة العامة، وهذا ما نسمعه في كل مناسبة يتحدث فيها هذا الصنف من العلمانيين عن إمارة المؤمنين أو المؤسسة الملكية، والمسألة عندهم مسألة وقت وتخطيط، ينتظرون ريثما تسمح الظروف وتهيمن العلمانية عمليا على المجتمع والحكم ليقوموا بإلغاء المؤسستين بالمرة.
– أما القسم الثاني، فأصحابه متهورون ينتقدهم حتى إخوانهم من القسم الأول، وهؤلاء قلة تدعو مباشرة إلى إلغاء الملكية وإلغاء البند الدستوري الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام، ويطالبون بإقامة نظام جمهوري على غرار الجمهوريات الأوربية التي رفع ثوارها إبان ثوراتهم شعار: “اشنقوا آخر مَلِك بأمعاء آخر قسيس”.
يتبين مما سبق أن كلا الفريقين هما ضد الملكية وإمارة المؤمنين وإنما يعمدون إلى ضرب العلماء بهما، لأن العلمانيين يعلمون يقينا أن المُلك في المغرب لن يكون بدون إمارة المؤمنين، وأن إمارة المؤمنين لا وجود لها إذا لم يعد هنالك مؤمنون، وأن المؤمنين لن يبقوا مؤمنين أو سينقرضوا بالتدريج إذا لم يبق هناك علماء، إذًا فالخطة هي محاصرة العلماء وتكميم أفواههم والحيلولة دون أداء وظيفتهم حتى لا يبقى هناك مؤمنون ومِن ثَمّ تسقط إمارة المؤمنين ويسقط معها نظام المُلك، ويحل محله نظام جمهوري يتبنى العلمانية دينا، ويخلوا المجال للعلمانيين حتى يطبقوا نظرتهم المادية للكون والإنسان والحياة، بعيدا عن إزعاج العلماء وتسلط الملكية التنفيذية كما يسمونها، ويصبح المسجد كأي كنيسة يدخله المغاربة يوم الجمعة ليسمعوا مواعظ تحرك القلوب الجوفاء، ولا تؤثر في الجوارح حتى تقلع عن ارتكاب المعاصي والموبقات.

إن منهج العلمانيين المغاربة في التغيير يتماهى مع منهج الغزاة الغربيين من العلمانيين والصليبيين على حد سواء، والذي لخصه المستشرق والقس صامويل زويمر في التقرير الذي نشره في 12 أبريل 1926م، بقوله: “..وعندي أنه قبل أن نبني النصرانية في قلوب المسلمين، يجب أن نهدم الإسلام في نفوسهم، حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو على من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوسهم”.
فبماذا يا ترى سيُهدم الإسلام في قلوب أبنائه؟ إن لم يكن باستغلال المهرجانات لاستدعاء اللواطيين والفاسدين من الغربيين، لتعميق الاستلاب والتغريب، وكذا بالملايين من الصور الفاضحة والمقالات التي تمتح من ثقافة حداثة اللواط والزنا، التي تنشرها الصحف والمجلات العلمانية طيلة السَّنة والمفسدة للدين والذوق والأخلاق.
إننا نكرر ما قلناه في افتتاحية سابقة، من كون المغرب اليوم يعرف المعركة تلو المعركة في إطار حرب هي في الحقيقة صراع وجودي بين الإسلام والعلمانية، يجب فيه على كل من يهمه أن تستمر الثوابت الدينية والوطنية أن لا يغتر بتصريحات العلمانيين بخصوصها، وأن يشجع كل من يدعو إلى الإبقاء على الإسلام دينا مؤطرا ومنظما للحياة العامة والخاصة للمواطنين، ولن يتم ذلك إلا بإعطاء العلماء نوعا من الاستقلالية يضمن لهم تأطير المواطنين وتربيتهم وفق الكتاب والسنة، حتى يصدق فيهم قول الله تعالى: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً” الأحزاب.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب/ السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *