أظن أننا لسنا في حاجة للتذكير بالدور الذي لعبه المستعمر في تكوين نخبة من المثقفين والساسة وتمكينهم من أهم المؤسسات الحيوية، وذلك قصد تغيير قناعات المسلمين والحيلولة دون استمرار التأطير الديني لسلوكهم، فيصبح المسلم مسخا لا هوية له ولا هدف، وكذلك وقع.
يقول “صموئيل زويمر” في مؤتمر القدس عام 1935م: “لقد قبضنا أيها الإخوة -يعني المنصرين المستعمرين- في الفترة من الثلث الأخير من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا (1935م) على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، وقد أعددتم من خلالها نشئًا في ديار المسلمين، لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراد له الاستعمار المسيحي؛ لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف همه في دنياه إلا في الشهوات؛ فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، ومن أجلها يجود بكل شيء..”.
والقارئ الكريم بنظرة لا تحتاج إلى إمعان، سرعان ما يتبين له أن هذه الصفات تنطبق بحذافيرها على شخصية النخبة المتعلمنة، والتي مجَّتها عيون المغاربة وأسماعهم من كثرة ما تقتحم عليهم بيوتهم عبر الشاشات والصحف والمجلات والإذاعة، ومن طول مكوثها على رأس الإدارات والمؤسسات دون أن تُغيِّر السيِّء أو تتغير إلى الأفضل، بل ما زال همها اكتناز المال العام مستغلة نفوذها وسلطتها، فمعظم من كان يرفع شعارات الإصلاح ويحطم طاولات الاجتماع على المجتمعين أيام كان معارضا تقدميا علمانيا يناضل من أجل “البروليتاريا” ضد البورجوازية صار اليوم أميرا للقراصنة، إما في أعالي البحار أو في هكتارات القطاع الفلاحي والمالي، فما فتئت الشكايات ترفع والمحاكمات تعقد ولم يتغير شيء.
إن النشء الذي تحدث عنه “زويمر” يمثله في حياتنا الراهنة أولئك الذين يمارسون علينا الإرهاب الفكري اليوم، الذين يرفعون شعارات مناهضة الحقد والكراهية ليهدموا الدين والشريعة، الذين يشنون الحرب على خطباء المساجد لأنهم يدعون على “شارون” و”بوش”، وأولئك الذين يرون أن الإسلام دين روحاني مثل دين النصارى فلا يجب أن تترك له مهمة تأطير سلوك الناس سواء الاقتصادي أو الاجتماعي، أولئك الذين يقلصون حصص التربية الإسلامية ويدعون إلى الاختلاط في المدارس والأحياء الجامعية رغم كثرة الإجهاضات التي تذهب ضحيتها فتياتنا، وبدل أن يضبطوا مدارسنا بالضوابط الإسلامية، يوزعون على أبنائنا العوازل الطبية في الجامعات حتى يمارسوا اتصالات جنسية مسؤولة!! -وللأسف نسمع هذا الكلام على شاشة التلفاز 2M (sidaction)- فالاتصال الجنسي المسؤول عند هؤلاء العلمانيين هو الذي تستعمل فيه العوازل الطبية ويخضع لشروط الوقاية لا الذي يكون وفق الشرع الإسلامي وينضبط بأحكامه.
وفي الأخير إذا كان اليساريون العلمانيون يتنادون إلى توحيد الصف وتحديد العدو ويصرحون على شاشة التلفاز دون خجل أو حياء أن عدوهم هو كل محافظ (برنامج حوار الكحص الوزير كاتب الدولة المكلف بالشباب) فلا أقل من أن يتجند كل العلماء المحافظين وطلبة العلم النجباء لتحذير الشباب والشيب من سموم الفكر العلماني الخبيث، حرصا على مستقبل المغرب دولة وشعبا.
إن المغرب المسلم لا حياة له بلا إسلام، والعلمانية لا تعترف بالدين إلا لتُجْهِز عليه، كما أنها لا تعترف بإمارة المؤمنين إلى لتفرغها من محتواها حتى إذا أضعفها العلمانيون أعلنوها جمهورية، وهذا هو الهدف من وراء المطالبة بالتعديلات الدستورية، وهو الغاية من الحرب العلمانية على القيم والشعائر الدينية والتي من جملتها البيعة بين الراعي والرعية.