كيف صارت بناتنا أكثر بنات البلدان العربية والإفريقية ممارسة للدعارة؟

كانت العرب تقول في الجاهلية: “الحرة إذا جاعت لا تأكل بثدييها” أي أن الجوع والفاقة لا تضطرها إلى التفريط في عرضها، وخُصت الحرة بالذكر لأن الحرة لابد أن تكون منتمية لقبيلة تحفظها من الضياع وتحميها من ابتزاز أصحاب الشهوات، لذا لا مجال لمخالفة قيم القبيلة وأعرافها. فلما جاء الإسلام أضاف إلى قيم العرب وأعرافهم أمرا ربانيا بحرمة الزنا فامتثل له المسلمون، وأصبحت الشهوة لا تصرف إلا في إطار الزواج أو ملك اليمين، وأمِر من لا يستطيع الباءة أن يستعفف ولا يقترف كبيرة الزنا، بل حتى الإماء نهى الله مَن يشتريهن بماله أن يكرههن على البغاء فقال سبحانه: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور. 

إن امتثال قيم العفة والحياء والتزام أخلاق الطهر والعفاف، لم يغيبا عن مجتمعاتنا الإسلامية على طول القرون الخمسة عشر التي حكم فيها الإسلام بنظمه الربانية، ولم نعش هذا الذل إلا عندما تمكنت العلمانية من التسلل إلى بنياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتشريعية، حتى أصبحت تقارير الدول تصنفنا في الرتب الأولى في قائمة الدول التي تتاجر ببناتها في سوق النخاسة حيث يكرهن على البغاء.
ويا لها من مفارقة عجيبة تظهر سمو الإسلام ورفعته، حيث نهى الله سبحانه قبل خمسة عشر قرنا من الزمن عن إكراه الإماء على الدعارة، في حين نجد المرأة الحرة في زمن حقوق المرأة ورغم المؤتمرات الدولية ورغم المعاهدات الأممية ورغم الملايين من الأوراق التي كتبت في التوعية بحقوقها، نجدها سلعة أخس من نعل قديم، يرمى بها في شبكات الدعارة مقابل عرَض من المال.
فلماذا يا ترى في زمن الأمية والفقر والبداوة تصان كرامة المرأة وتقطع دونها رقاب آبائها وإخوانها وأبنائها وأعمامها وكل ذويها ولا تمس شعرة من مفرقها؟
في حين نجدها في زمان العلم والمختبرات والطائرات والصواريخ والأقمار الاصطناعية وغزو الفضاء هي أكثر الكائنات ابتذالا ومهانة واحتقارا.
إن ذلك الفقر وتلك الأمية وهاتيك البداوة لمّا حكم الإسلام بحكمته ورحمته ونبله، حارب الفقر بالزكاة والصدقات وكفارات اليمين..، وحارب الأمية بالدعوة إلى العلم وتأسيس المساجد في كل تجمع سكاني فأصبح العلم لدى المسلمين قبل القول والعمل، وهذب من البداوة بالدعوة إلى الإعمار وامتلاك أسباب القوة لنشر فضائل الإسلام ونظمه، فكثرت المدن والمدارس والجامعات وأصبح المسلمون الرواد في كل الميادين، وعلَّموا أوربا في الأندلس وغيرها أسباب الرقي والازدهار، وفتحوا لها أبواب العلم والتقدم.
فلما حكمت هي العالم نشرت فيه الكفر وجعلت العلم نقيض الإيمان، فأصبح الإنسان ذئبا يفترس أخاه، وتآكلت منظومة القيم شيئا فشيئا حسب تمدد الفكر العلماني على بنيات المجتمعات فنظم أصحابه هذه الأخيرة حسب مقتضيات الكفر بوجود خالق للكون، فلما كان الكون عند العلمانيين وجد صدفة والإنسان أصله قرد تطور، لزم أن يكون الدين من صنع البشر فلا قداسة لأحكامه، والإيمان به ضرب من الرجعية والتخلف والظلامية. ويترتب عن ذلك كله أن الأخلاق المستمدة من الدين هي من صنع البشر أيضا، وتجوز مخالفتها، بل تتعين في بعض الأحيان. وهذا ما يفسر قبول بل تقنين المجتمعات العلمانية الحداثية المتمدنة للواط والسحاق والزنا والدعارة.
لكن إذا كان هذا شأن المجتمعات الغربية التي كفرت بالله في نظمها وقوانينها، فما بالنا نحن المغاربة المسلمين المالكيين “الجنيديين!!!” كيف صارت بناتنا أكثر بنات البلدان العربية والإفريقية ممارسة للدعارة؟
هل فكر وزير شؤوننا الإسلامية في تقديم مشاريع قوانين تحفظ للمغربيات كرامتهن وعفتهن أم أن وزارته تهتم فقط بالتسليمة الواحدة؟
وما عسانا نطلب من هذا الوزير صديق “جارات أم موسى” وهو الذي لم يستطع حتى منع الاختلاط في بيوت الله تعالى خلال دروس الكراسي العلمية حيث أصبحت النساء والرجال يجلسن جنبا إلى جنب أمام الوعاظ الذين بدورهم لم يستطيعوا تغيير هذا المنكر العظيم خوفا من تسلط الوزارة الوصية وشراسة الإرهاب العلماني، ألا يؤذن هذا المنكر باقتراب يوم تأمّ فيه المرأة الرجال في المسجد في صفوف مختلطة يضع “الرجال” -وأشباههم- أكتافهم بمحاذاة أكتاف نساء محجبات أو متبرجات حيض أو طاهرات، فلا يهم مادامت العلمانية قد دخلت بيوت الله فلا فرق بين مطهر ومنجس، ولا مقدس ومدنس.
إن المستوى الحضيضي الذي بلغته المرأة في المغرب لم يعد دونه مستوى في الدناءة والتدني، ومع هذا لا نرى حراكا على مستوى الحكومة بل على العكس يفضل غالب المسؤولين تكذيب مضامين التقريرات الوطنية والدولية التي تثبت خطر الزنا والدعارة الداهم وتحذر منه.
إن المرأة المغربية اليوم ليست في حاجة لمن يدافع عن خبزها وعملها وأن تصبح حقوقها في الإرث تساوي حقوق أخيها الرجل، بينما يضرب الذِّكْر صفحا عن ابتذالها وهتك عرضها ويستغل معاناتها في التمكين لإيديولوجيته العلمانية التي لا تنظر إلى المرأة ككائن حي إلا بقدر مردودها الاقتصادي، فلا يهم العلمانيين مثلا أن تزني المرأة أو تشتغل في الدعارة، المهم أن لا تساهم في نشر مرض السيدا لأن ذلك يضر بميزانية الدولة، لذا تراهم في حملاتهم لمحاربة هذا الداء يعلمونها كيف تستعمل الواقيات من السيدا وكيف تلبسها للرجل -في كل وقاحة- ولا يعلمونها كيف تصون عرضها وتجتنب الزنا.
لقد أصبحت بناتنا أكثر بنات البلدان العربية والإفريقية ممارسة للدعارة، لأننا سمحنا للعلمانية أن تنظم مجتمعنا المسلم، لذا كان لا بد أن ندفع الثمن من أعراض بناتنا، فالله سبحانه يقول: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء .وليس فوق الأرض اليوم من يتبع الشهوات ويبني عليها النظم الاقتصادية أكثر من العلمانيين.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/السبيل

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *