عداء العلمانيين للشريعة الإسلامية خطر على الدولة والمواطنين

إن تزوير الحقائق هو من خصائص المنهج العلماني في المحاجة، وهذا يبدو واضحا من كلامهم حول فردية التدين، فكيف يجوز في عقل إنسان أن دينا استمر 15 قرنا ينظم حياة مئات الملايين من المسلمين على اختلاف الدول المتعاقبة على الحكم يكون دينا فرديا، كيف يمكن أن يكون التدين مسألة شخصية في ظل الحكم بالشريعة الإسلامية في ميادين الاقتصاد والسياسة والأحوال الشخصية.

فتعطيل العمل بالشريعة لم يتم إلا بعد حملات الغزو الأوربي العلماني على البلدان الإسلامية: فمصر ألغي فيها الحكم بالشريعة الإسلامية في سنة 1883م مباشرة بعد الاحتلال الإنجليزي، والجزائر في سنة 1830م أي بعد الاحتلال الفرنسي، وكذلك تونس في سنة 1906م، أما تركيا وسوريا ولبنان فألبسوا الثوب العلماني بعد إنهاء الخلافة سنة 1924م.
والأمر نفسه بالنسبة إلى المغرب البلد المسلم فما فتئت تطبق فيه الشريعة منذ الفتح الإسلامي إلى غاية الغزو الفرنسي وبالتحديد في سنة 1913 أي بعد أقل من سنة على فرض الحماية الكاذبة التي حاربت حكومتها استمرار تطبيق الشريعة الإسلامية وشددت الخناق على القضاء الإسلامي، وخلقت المحاكم العلمانية الفرنسية التي أريد لها أن تحلّ محل المحاكم الإسلامية، لتطبق علمانية المحتل بعد أن صاغها في القوانين التي أصدرها خلال مدة جثومه على قلب المغرب، والتي استبدلت بها الشريعة الإسلامية.
وبعد الاستقلال اشتدت المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإلغاء القوانين العلمانية التي سنها المحتل الفرنسي، فأنشأت الدولة لجنة للتشريع من أجل الرجوع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة الميادين ضمت فقهاء وعلماء وحقوقيين، فكان أول ما أصدرته مدونة الأحوال الشخصية، ولأمرٍ ما تم تعطيل عمل اللجنة بفعل الضغوط الأجنبية -خصوصا الفرنسية- فمات الملك محمد الخامس رحمه الله في السنة نفسها وعطلت اللجنة إلى يومنا هذا..
إذا فالعلمانية في المغرب طارئة، بل هي وضع نشاز يعتبره الكثير من الدارسين سبب التخلف وأس كل المعضلات التي يعيشها المغاربة اليوم.
فالغرب فرض العلمانية في البلدان الإسلامية على مستوى الحكم بقوة السلاح وما مارسه من إرهاب وتقتيل وتشريد وسجن ونفي، وبعد خروجه سخر المنظمات الدولية التي أنشأها وجعل لنا فيها عضوية وهمية استكمالا لعلمنة شعوبنا عن طريق “نضالات” تلك النخب الممسوخة ممن كوَّنهم في مدارسه وصنعهم على أعينه، عبر ما تحت أيديهم من وسائل إعلام وما أنشئوه من منظمات حقوقية هي بمثابة أيادٍ فولاذية تضغط على عنق الحكم في المغرب كي ينصاع رغم أنفه لإملاءات الغرب على مستوى التشريع، فلنتأمل تصريحات بعض الحقوقيين لنتبين صحة ما قلناه:
خديجة الرياضي: “حان الوقت ليلائم المغرب تشريعاته مع الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي وضعته الأمم المتحدة، وصادقت عليه المغرب منذ ثلاثين سنة”.
خديجة الرويسي: “لا ينبغي الخلط بين حقي مثلا في الصوم وعدمه، فهذه مسألة شخصية وبين التحرش الجنسي بالأطفال.. فبين القناعة الشخصية وممارستها علنا هناك طريق، وهناك قوانين مسطرة بالمغرب لكن اعتبر القانون المغربي جائرا، لأنه يمس الحرية الفردية للشخص..” مغرب اليوم ع:34/ص:18.
بوبكر الجامعي: “لكنني مقتنع، بالمقابل، بأن مطلب إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي هو مطلب جد عادل ومعقول. ولهذا السبب أساند الأهداف التي قامت من أجلها “مالي”.. والحال أنه إذا اتفقنا على اعتبار الدين وممارسة الدين هما مسألتان جد شخصيتين، فإن الفصل 222 يعد قانونا جائرا بالضرورة، جائر لأنه يحرم الناس من حق لا يلحق أية أضرار خطيرة بالجماعة..” (الجريدة الأولى/ع:419).
لقد أصبح واضحا أن المغرب في حالة من الحرج والمضايقة، بسبب ما سبق أن صادق عليه من معاهدات دولية ، فهو لا يستطيع أن يتبنى ما تقتضيه تلك المعاهدات والمواثيق من علمانية شاملة مناقضة لدين الدولة الذي ينص عليه دستورها والذي هو فعليا دين شعبها الذي تزداد يوما بعد يوم مطالبة أفراده بتبني الشريعة الإسلامية على مستوى التشريع.
فالعلمانيون -سواء الحقوقيون أو السياسيون أو الإعلاميون- يدركون هذا الأمر ويستغلونه أبشع استغلال، حيث لا يتوانون في استعداء الدول الغربية باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، مما يجعل هذه الدول أقوى موقفا في الحوار بخصوص قضايانا الوطنية كقضية الصحراء المغربية.
ثم نتساءل ما هي ثمرات حقوق الإنسان على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الغرب نفسه، فعلى المستوى الاجتماعي ما زالت المرأة تعيش بؤسا شديدا إذ أن المساواة لم تحمها من التحرش الجنسي والاغتصاب والقتل والعنف الأسري، أما على المستوى السياسي فالديمقراطية لا حقيقة لها في الواقع حيث ما تفرزه صناديق الاقتراع هو ما تحدده اللوبيات الاقتصادية سلفا، أما على المستوى الاقتصادي فلا يمكن أن تعيش الدول الغربية قاطبة دون استغلال مقدرات باقي دول وشعوب العالم، وما نفط العراق وثروات أفريقيا عنا ببعيدة.
فالغرب لم يتقدم إلا بأمرين اثنين: العلم والسلاح، ولو امتثل ما يروجه من شعارات وهمية حول العدالة والمساواة والأخوة لما قام بحملاته التوسعية الإمبريالية التي بنى من خلالها ما نشاهده اليوم من ازدهار وتقدم وقوة.
إن على الدولة أن تجد طريقة تواجه بها طغيان العلمانيين وترجع بها الاعتبار لشريعة رب العالمين ففي ذلك فلاحنا أجمعين، قال الله تعالى: “وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً”النساء.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *