عندما يمارس الإرهاب باسم الديمقراطية

كثير ممن يحلو لهم أن يسموا أنفسهم تقدميين ديمقراطيين، ينقلبون في مواجهة الإسلاميين إلى إرهابيين استئصاليين، يسوّقون للوهم ويروجون للأكاذيب، دون نزاهة أو حياء، تغلي الدماء في عروقهم لمجرد سماع صوت إسلامي ينطلق من منبر رسمي، يخافون على مكتسباتهم الحقوقية -زعموا-.
هذه الصفات تنطبق حتى على بعض من يمكن أن نطلق عليه نعت مفكر علماني، عندما يريد أن يحاورك يبدأ بإرهاب فكري، يفرض عليك من خلاله عدم الرجوع إلى منظومتك الفكرية أو مرجعيتك العقدية أو السلوكية، بدعوى أنها مرجعية تنتمي إلى عالم “المطلق” بينما مرجعيته التقدمية الحداثية تنتمي إلى عالم “النسبي”، لاقتناعه الجازم بأن “اعتبار طرف ما بأن مرجعيته مقدسة أو سماوية المصدر، يجعل كل نقاش لا طائل من ورائه، لأنه يتحول إلى نقاش بين بشر وكائنات ميتافيزيقية، وهذا من ضروب المستحيل”الأحداث المغربية ع4557/11-01-2012م.
إن ثنائية المطلق والنسبي في المنظومة العلمانية الحداثية تختزل الصراع بين الإسلام والعلمانية، بين الشريعة والقوانين الوضعية، بين الأخلاق الدينية والحرية الإباحية.
فالعلماني لا يكون علمانيا إلا إذا كفر بالمطلق وجحد بالميتافيزيقي أي الغيبي، والمسلم لا يكون مسلما إلا إذا آمن بالمطلق والغيبي.
والحداثي لا يمكنه أن يكون حداثيا إلا إذا رفض تطبيق شريعة السماء، وآمن بسمو ما شرع الإنسان على كل شريعة وإن كانت من رب السماوات والأرض، في حين لا يستقيم إيمان المسلم إلى إذا آمن بشريعة الله مرجعا للتحاكم في شأنه كله، لإيمانه الراسخ بأن الإسلام لا يفرق بين الدين والدنيا، واستسلامه التام لمثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
فهل يستطيع مسلم عرف دينه حق المعرفة أن يجادل في صراحة هذه الآيات الكريمة؟
لكن العلمانيين والحداثيين وأغلب الديمقراطيين يجادلون فيها بالباطل ليدحضوا ما دلت عليه من الحق، فمنذ سقوط الخلافة الإسلامية 1924م وإلى يومنا هذا لم تتوقف أقلام العلمانيين عن نشر الأكاذيب المضللة، زاعمين أن الإسلام ليس فيه نظام للحكم، رامين إلى تسويته بالنصرانية حتى يسجنوا شريعته وأحكامه وخطابه داخل جدران المساجد، تمكينا للعقيدة العلمانية من دواليب الحكم في المجتمعات الإسلامية.
إلا أن الله سبحانه لأمر قدره فهيأ أسبابه، شاء أن تفسح مجالات الحريات في بعض البلدان العربية بعد سقوط أنظمتها صنيعة الغرب، لتتهاوى أصنام العلمانية وتتكسر بين يدي صناديق زجاجية صنعوها للتمكين لنُظمهم اللادينية، فأفرزت لهم بعد عقود من التغريب والاستعباد والإفساد الممنهج، فوز أعدائهم أصحاب اللحى والمحتجبات، معلنة للعالم أن الشعوب المسلمة تريد الرجوع إلى دين ربها، وترفض أن يحكمها من لا يقيم وزنا لهويتها وعقيدتها.
لكن مرة أخرى يستكبر العلمانيون ويجحدون بهذه الآيات أيضا، ويعتبرون أن “المشكلة ليست في بسيمة الحقاوي، وإنما في مجتمع متخلف يعيش ردة فكرية” على حد تعبير نبيلة منيب عضو المكتب السياسي لليسار الاشتراكي الموحد.
فبالأمس كان الشعب مؤمنا بالحداثة والديمقراطية ولما اختار الإسلام والإسلاميين صار مرتدا فكريا، أليس هذا من قلة التقدير للشعب المغربي المسلم؟ أليس هذا دليلا على دكتاتورية العلمانيين؟ فإما أن يختار الشعب العلمانية والعلمانيين وإلا فهو مرتد تجب استتابته.
أين هي الديمقراطية ودعاوى الاحتكام للصناديق الزجاجية؟
إن الشعب في نظر العلمانيين غير مؤهل لكي يحكم نفسه بنفسه إلا إذا اختار العلمانية نظاما للحكم ورضي بالعلمانيين حكاما عليه، أما إذا اختار الإسلام والإسلاميين فهو حينئذ شعب قاصر ناقصة أهليته، واجب الحجر عليه، لإعادة تربيته وفق مبادئ الحداثة المادية، في المدارس والمعاهد ومن خلال الإذاعات والمواد التلفزية، حتى يبلغ سن الرشد ولو بعد التسعين، المهم أن يحال بينه وبين هويته بينه وبين تاريخه.
فالشعوب عندما اختارت الإسلاميين، اختارت أن يُسيّر أمورها أناس يؤمنون بمنظومة قيم إسلامية تفرق بين الصالح والفاسد بين الحلال والحرام، يؤمنون بمنظومة قيم مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا مكان فيها للتسوية بين الكفر والإيمان، وبين العفة والعهر، منظومة قيم لا يرى أصحابها في العري فنا فيشرفون أهله ويكرمونهم، ولا يزدري أتباعها الحجاب والنقاب ويعتبرونه تزمتا وتشددا ورجعية، منظومة قيم لا ترى الزنا واللواط حرية شخصية، منظومة قيم تعترف بحقوق الإنسان التي تؤطرها شريعة خالق الإنسان، وليس حقوق إنسان تنتهك أول ما تنتهك حقوق الله سبحانه على عباده، منظومة قيم باختصار تؤمن بعبودية الإنسان لله رب العالمين: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *