السلام والحرب في خدمة مصالح الغرب

8 سنوات من القتل والتدمير في العالم الإسلامي، 8 سنوات من هدر كرامة المسلمين في العالم، 8 سنوات والإدارة الأمريكية تخرب ديار المسلمين وتشرد أبناءهم، 8 سنوات من الحرب أحرزت فيها أمريكا أهدافها، غيرت خريطة العالم الإسلامي السياسية، دمرت جيش صدام حسين الذي كان يهدد مصالحها في الخليج العربي وأحلت محل نظامه نظاما مواليا لها ولربيبتها الصهيونية، 8 سنوات من الحرب والتهديد للمسلمين في العالم أجبرت خلالها حكومات البلدان الإسلامية على الانخراط في حرب عالمية ضد ما أسمته بالإرهاب.
إن المنطق الأوربي-الأمريكي في التعامل مع قضايانا لم يختلف منذ نهض من تخلف القرون الوسطى، فهو دائما ينظر إلى الإنسان المسلم على أنه ذلك المخلوق الذي وجد من أجل خدمة الإنسان الغربي، فالنظرة الاستعلائية المملوءة حقدا وكراهية والمستهينة بدم وحق المسلم تحكم مواقف وقرارات الأوربيين والأمريكيين تجاه قضايا المسلمين، فهذا المفوض الأوربي المكلف بالتعاون في مجال التنمية والمساعدات الإنسانية “لوي ميتشيل” يسوي خلال زيارته لغزة بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة الإسلامية في التدمير والإخلال بالنظام الدولي مع التأكيد على أن فصائل المقاومة هي منظمات إرهابية وأن ما قام به الفلسطينيون ليس مقاومة بل إرهابا.
وهذه مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة أوباما حرصت منذ اليوم الأول لتسلمها مهامها على التعرض لقضية “دارفور” المفتعلة لتكرس الرغبة في الهيمنة على خيرات المسلمين بعد تركيعهم.
وهذه المحكمة الأوربية في الوقت الذي تصر على اعتبار المقاومة في فلسطين إرهابا والفصائل الإسلامية منظمات إرهابية تشطب اسم منظمة خلق العلمانية من لائحة المنظمات التي تعتبرها إرهابية، ورفعت الحظر على أموالها وأرصدتها المجمدة بالاتحاد الأوربي حتى تضعف النظام الإيراني الرافضي.
وهذه كبرى وكالات الأخبار البريطانية الـ (بي بي سي) وقناة (سكاي نيوز) ترفضان بث نداء إغاثة أطفال غزة، مدعية أن ذلك إخلال بحياديتها، مفضلة التعتيم خدمة للكيان الصهيوني واسترضاء للوبي اليهودي في البلاد.
كل هذه المواقف وغيرها كثير تثبت لكل مسلم بما لا يدع مجالا للشك أن العقل الغربي المالك للقرار في أوربا وأمريكا لن يغيره المزيد من الانبطاح المتمثل في اتفاقيات السلام، ولن يغيره تنسيق الجهود والتنازلات التي يقدمها المسئولون في الدول الإسلامية على حساب أبنائهم وقضايا أمتهم، سواء في ملف الإرهاب أو القضية الفلسطينية..
إن القول بأن الإنسان الغربي يكن الحقد والكراهية للإنسان المسلم ليس ضربا من الانغلاق أو نبذا للتعايش والتسامح، ولكنه حقيقة تشهد لها عشرات بل مئات الوقائع التاريخية وتعضدها مواقف المنظمات الدولية من قضايانا المصيرية، إلا أننا مع ذلك يجب أن نميز بين الموقف الغربي الرسمي المبني على وعي تاريخي بالصراع، ورغبة حقيقية في الاستغلال لخيرات المسلمين، وبين منظمات حقوقية لا يسعها التنكر لما تشاهده من جرائم، ومواقف شخصية لأطباء ومفكرين علموا حقيقة الإجرام الغربي/الصهيوني فمنعتهم نزاهتهم من التواطؤ على دماء النساء والأطفال.
والعجب أنه في كل حملة من حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يكثر اللغط من طرف المحللين العرب والمسلمين حول مدى حيادية الرئيس الجديد في تعاطيه مع قضايا المسلمين خصوصا ما تعلق منها بالشرق الأوسط، فيغرق الإنسان المسلم في بحر من التحليل الإعلامي لتصريحات الرئيس المرشح للفوز، وفي كل مرة تبقى مشاكل المسلمين في تفاقم متزايد، وفي تعقيد مستمر يعمل خلاله الغرب بواسطة المؤسسات الدولية على الإبقاء على أملٍ أشبه ما يكون بالسراب في حل لهذه القضية، وتسوية لتلك المعضلة، ونرى من كان رئيسا للوزراء مؤيدا لكل الحروب ضد المسلمين، وقد تحول مبعوثا للسلام، الأمر الذي يؤكد ما نذهب إليه من كون الغرب لا فرق لديهم بين الحرب والسلام ما داموا يحققون أهدافهم الإمبريالية.
فأوباما دشن عهده بإغلاق معتقل “غوانتنامو” وتعليق محاكمات المعتقلين، وصرح أنه سيترك العراق للعراقيين، ليقنع العالم أن عهده سيكون عهد سلام، بعد ثمان سنوات من الحروب شنها سلفه لتغيير الواقع على الأرض والتخلص من كل معارضة للإمبريالية الأمريكية بقوة السلاح.
إن لعبة تقسيم الأدوار على مستوى السياسة الخارجية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، باتت مكشوفة لكل ذي عقل ونظر سليمين رغم تعقيدات النظم والخطط والوسائل وضخامة الإمكانيات التي تستعملها الولايات المتحدة الأمريكية في إخضاع الدول الإسلامية الغارقة في الهزيمة النفسية والتخلف والفساد.
لقد عمل لوبي السلاح والنفط المهيمن على الحزب الجمهوري خلال العهد المنصرم على تغيير الواقع من خلال ثلاثة حروب كلها استهدفت القوى الإسلامية التي تهدد استمرار الهيمنة الأمريكية/الصهيونية على العالم الإسلامي فكانت الحرب على أفغانستان وإسقاط نظام طالبان وإضعاف تنظيم القاعدة وإسقاط نظام صدام حسين وشن الحرب على ما أطلقت عليه اسم الإرهاب، كلها إجراءات فرضتها حماية أمريكا لمصالحها وأطماعها من تهديد من تسميهم الأشرار الذين يهددون الأمن القومي الأمريكي، الذي تطلَّبت سلامته تدمير دولتين واعتقال الآلاف من المسلمين، وقتل مئات الآلاف من النساء والأطفال والعلماء والأساتذة الجامعيين، وإبادة حضارة العراق وتسليم الدولة إلى الخونة العلمانيين.
ليأتي بعد هذا الدمار والقتل والتشريد والإبادة الحزب الديمقراطي في شخص “باراك حسين أوباما” معلنا عهدا جديدا لن يتغير فيه شيء على أرض الواقع بل سيلعب من خلال دعوات السلام بواسطة الأمم المتحدة ومنظماتها على استغلال ثمرات ما حققه بوش الصغير من خلال الحرب.
يبقى أغلب ساسة المسلمين ونخبهم في تفرقهم وبعدهم عن ربهم، غارقين في الفساد ينتظرون ماذا سيجود به عليهم الرئيس الجديد والحكومة الجديدة، في صورة تبعث على الشفقة لأنها تطفح بكل أنواع الذل والمهانة، عاجزين حتى عن استغلال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها أمريكا وأوربا وذلك لأنهم مشتتون متنازعون فهانوا على الله سبحانه فوكلهم إلى أنفسهم: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” الأنفال.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *