كلمة العدد الأمم المتحدة .. واستمرار سياسة فرِّق تسد (الدورة 65: أمن وسلام.. أم ظلم وعدوان)

انطلقت يوم الخميس 23 شتنبر نشاطات الدورة الخامسة والستين للجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك، تحت شعار (تأكيد الحكامة)، وهو ما يعني بشكل واضح ترسيخ هيمنة الدول الاستعمارية، واستمرار خدمة المنظمة لمصالح الدول الاستعمارية.

لقد بدأت القصة حين وعدت الدول الاستعمارية (على رأسها: بريطانيا) العرب بضمان سيادتهم على أراضيهم واستقلالهم عن الأتراك، إن هم شاركوا إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى؛ فلما فعلوا كان جزاؤهم جزاء سنمار وكانت معاهدة (سايكس/ بيكو) عام 1916 التي اقتسمت بموجبها إنكلترا وفرنسا “الهلال الخصيب” (العراق والشام والخليج العربي)، والتي سيطرت بموجبها بريطانيا على فلسطين، وقد أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية عام (1922).
كما كافأت العرب بتصريح (بلفور) عام (1917) الذي وعد بتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين!
وهكذا شاركت الدول الاستعمارية في التفرقة بين العرب والأتراك سياسيا، بعد أن مهدت له (إيديولوجيا)..
وتستمر سياسة فرق تسد في الجمع الخامس والستين للجمعية العامة، والذي تجلى في:
– اجتماع رسمي يرأسه الرئيس الأمريكي لتأمين تقسيم السودان، والسهر على إجراء استفتاء التفرقة في موعده كي لا تتاح الفرصة لدعاة الوحدة ليؤثروا على أصحاب رأي التقسيم!
وفي الصومال؛ لما اتجهت الدولة نحو الوحدة تحت إمارة إسلامية، تدخلت الأمم المتحدة للحيلولة دون ذلك، وإرجاع الوضع الصومالي إلى حالة التشتت والفرقة، وهاهي تغض الطرف عن الصوماليين الغارقين في أوحال الصراع الذي استنزف دماءهم وحرمهم من الاستقرار والأمن والعيش الكريم.
ولو كانت الهيئة صادقة في ادعاء حرصها على الأمن والسلام الدوليين، لتركت السودان وشأنه، واهتمت بإيقاف نزيف الصومال..
ـ وفي أروقة مجلس الأمن انعقد أيضا اجتماع “جمعية أصدقاء اليمن”، التي أكدت أنها تدعم اليمن ضد القاعدة فقط؛ ومعنى هذا: أنها إنما تدعم الحكومة اليمنية في قتال القاعدة التي تهدد مصالح الغرب، ولا تدعمها في مشروع وحدة البلاد ضد دعاة الفرقة..
ـ أما في المغرب؛ فلا تزال الهيئة تلعب بقضية الصحراء المغربية؛ حيث تعلم أن الصحراء مغربية تاريخا وجغرافية، وكون بعض زعماء جبهة البوليساريو شاركوا في إخراج المستعمر الإسباني لا يخول لها إنشاء دولة مستقلة، ولا يعطيها حقا في جعل هذا خيارا يستفتى أو يفاوض عليه، ومع ذلك تغطي الحق وتزج به في دوامة سياسية تجعله ملتبسا، لا يعرفه أكثر الناس، وبهذا يبقى الصراع قائما بين الجزائر والمغرب، ويبقى ملف سبتة ومليلية مطويا على المستوى الدولي، إلى غير ذلك من مكتسباتها التي تحققها بسياسة فرق تسد..
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الواقع في أحاديث شريفة؛ منها قوله عليه السلام: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن” فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”. (رواه أبو داود وصححه الألباني).
فهذا داؤنا؛ حب الدنيا وشهواتها وجاهها وأموالها، وكراهية الموت والطرق التي قد تؤدي إليه؛ فهذا يجعلنا نرضى بذل وهوان لم نصل إليهما في يوم من الأيام؛ كما يتجلى ذلك بشكل أوضح في القضية الفلسطينية التي زادتها الدورة الخامسة والستون تعقيدا وبعدا عن (السلام)؛ كما تؤكده الأحوال التالية:
– استمرار توفير التغطية الكاملة والدعم الشامل للدولة الصهيونية مع كونها أكبر خارق للقوانين ومقتضيات الأمن والسلام.
– غض الطرف عن جرائمها في غزة وضد أسطول الحرية، وسعيها الدؤوب لتهويد القدس بكل الوسائل الغاشمة من مصادرة أملاك وطرد تعسفي وهدم للبيوت.. إلـخ.
ـ إلزام العرب بالدخول في المفاوضات المباشرة دون تحقق شروطهم، التي أكدوا مرارا أنه لا مفاوضات إلا بها.
والخزي يعظم بمشهد عباس الذي قال: “سنقبل بالمفاوضات المباشرة، لكن سنوقفها فورا في حال زيادة لبنة واحدة في الأوراش الاستيطانية”.
فلما استأنف الاستيطان؛ قال: “لو أجلتموه شهرين أو ثلاثة”!!!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”.
وبالموازاة مع هذا الإذلال المضحك المبكي؛ كانت الأمم الاستعمارية تدعم الدولة الصهيونية لبقائها غير ملتزمة بالاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة النووية، حيث قادت الولايات المتحدة الدول الأعضاء للتصويت ضد قرار إلزام الدولة الصهيونية بالانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي، والأغرب أن أمريكا سوغت موقفها بأن إلزام الدولة الصهيونية بالاتفاقية (يبعث برسالة سلبية إلى عملية السلام الفلسطينية “الإسرائيلية” التي استأنفت مؤخرًا).
فلماذا لم يقولوا الشيء ذاته فيما يجري من تهويد مكثف لمدينة القدس؟!!!
إن هيئة الأمم المتحدة لم تؤسس لحفظ الأمن ونشر السلام؛ بل أسست لحماية مصالح الدول الاستعمارية وإضفاء المشروعية على هيمنتها على شعوب العالم، وتسويغ كل الوسائل المحققة لذلك، ولو اشتملت على أعظم أنواع الظلم والعدوان وسفك الدماء وغمط الحقوق..
وهذه الحقيقة لا تستغرب بالقدر الذي يستغرب من موقف العلمانيين والحقوقيين الذين لا يزالون يمجدون هيئة الأمم المتحدة ويسبحون بحمدها بكرة وأصيلا، وأنها راعية الأمن والسلام وضامنة الحرية والمساواة في العالم، وأن كونيتها هي الدين الذي ينبغي التمكين له والقبول به حاكما على الناس كلهم..
(ح.ق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *