لا يمكن للمرء إلا أن يثمن ما اتخذته السلطات المغربية من إجراءات للحد دون انتشار مذهب الرافضة المناقض لعقيدة أهل السنة ومذهبهم، فتحصين المغاربة ضد كل فكر دخيل يمس بعقيدتهم السنية هو من أوجب ما يجب على الدولة خصوصا الوزارة المعنية بحماية وتدبير الشؤون الدينية، إذ لا يقل تهديد العقيدة الشيعية لبلادنا عن تهديد التنصير، فعقيدة الرافضة أكثر خطرا لكون دعاة التشيع يتمسحون بالإسلام ومحبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلي لذلك حقيقة أهدافهم وخطورة أطماعهم التوسعية في البلاد السنية على كثير من المسلمين السذج الذين يفتقرون إلى العلم بحقيقة العقيدة الشيعية ومناقضتها للعقيدة السنية.
فإذا كان الصهاينة يتخذون من المحرقة الحجة التي يسوغون بها كل جرائمهم، مدعين أنهم تعرضوا لأبشع صور الظلم والعدوان على يد النازية، وذلك حتى يستجلبوا عطف ومساندة الأوربيين والأمريكيين، فإن الرافضة يجعلون من الظلم الذي يدعون أنه وقع على أهل البيت الأصل الذي يبنون عليه دعوتهم ومذهبهم، ويستميلون به عقول ونفوس الجهال من أبناء أهل السنة، مستغلين الشهوة الجنسية التي يوفرها زواج المتعة غير الشرعي في استقطاب شباب المسلمين.
إلا أن البحث في حقيقة الأسباب التي دفعت السلطات المغربية إلى اتخاذ هذه الإجراءات، قد يجلي لنا حقائق أخرى تساعدنا على إدراك جدوى قرارات السلطات وصوابها من خطئها.
فبالنظر إلى الطريقة التي تعاملت بها الدولة المغربية مع الدولة الصفوية، وارتكازها على مجرد الخلاف الدبلوماسي الذي وقع بخصوص قضية البحرين، وما أعقبه من تصريحات وتحذيرات من المد الشيعي في البلاد على نحو غير مسبوق، يعطي قوة للفرضية التي تعتبر أن السلطات كان لديها العزم المسبق على اتخاذ كافة القرارات والإجراءات التي اتخذتها، وأنها كانت تنتظر الوقت المناسب الذي تبدأ فيه حملتها ضد المد الشيعي.
إن رفع المغرب لحجة حماية العقيدة السنية في كل مناسبة يصفي فيها حساباته مع من يسبب له مضايقات سياسية، يشغب عليه تساهله بل تسامحه مع الأفكار العلمانية والحداثية التي انتشرت في الأوساط الإعلامية والثقافية والسياسية والمناقضة لمعتقد أهل السنة، تسامح الدولة هذا مع أشد المخالفين لعقيدة ومذهب المغاربة بلغ حدا جعل سفهاء العلمانيين يتجرؤون على التشكيك في الجنة والنار بل إنكارهما، و أغرى الكثيرين منهم فسفهوا الإمام البخاري واتهموا أبا هريرة بالكذب، وسفهوا الإمام مالكا، وتنقصوا من الصحابة رضي الله عنهم، وتمادوا في الغي حتى استهزؤوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبالملائكة وبالقدر واليوم الآخر وبعبارة أخرى استهزؤوا بكل أركان الإيمان التي هي معتقد أهل السنة، فماذا بقي لم يدنسه العلمانيون في المغرب؟
فلا يعقل أن نغض الطرف عن أمثال بوهندي ونُهوِّن من سبه للصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه وطعنه في الإمام مالك لأن كلامه لا يشكل خطرا على المستوى الأمني، بينما نصدر البلاغات الوزارية، ونقطع العلاقات الدبلوماسية، ونجيِّش أئمة المساجد للرد على الشيعة الروافض، لأن دعوتهم تمثل تهديدا لأمن المغرب، الأمر الذي يبرز بوضوح أن القائمين على تدبير الشأن الديني في المغرب سواء على صعيد الإدارات الأمنية أو تلك التي تعنى بالشؤون الدينية، يسيطر على عقولهم الهاجس الأمني، ولا يعيرون للجانب الديني أهمية إلا بقدر ما يخدم الحفاظ على الأمن بمفهومه المادي المجرد عن أي ارتباط بالدين أو الهوية.
فإذا كان الذين يشرفون على ملفات تدبير الشأن الديني يريدون فعلا وحقيقة أن يحافظوا على وحدة المعتقد عند المغاربة، فيجب عليهم أن يعيدوا النظر في سطوة الهاجس الأمني المجرد على خططهم وإجراءاتهم، وأن يخضعوا هذا الملف للدراسة المعمقة بعيدا عن الارتجال والتسرع الذي ساد التعامل الرسمي مع ملف دور القرآن، والذي رفعت في تصفيته أيضا حجة حماية عقيدة المغاربة ومذهبهم.
حقيقة لقد أصبح الفصل بين الديني والسياسي من قبيل المستحيل، خصوصا مع سقوط المذاهب المادية الإلحادية، والذي أفسح المجال لرجوع المسلمين إلى الالتزام بتعاليم الدين وأوامره، مما جعل من الاستمرار في الطريقة التي كان يتم بها تدبير الشؤون الدينية للمغاربة ضربا من المخاطرة بالنسبة للدولة، خصوصا مع تنامي شعبية تيارات إسلامية، تتبني تطبيق الشريعة الإسلامية، الشيء الذي جعل الدولة تتبنى دعم التصوف اختيارا استراتيجيا.
إن الذب عن معتقد أهل السنة حقيقة يقتضي أن يتمظهر في شكل قرارات وتدابير تجعل منه هدفا أسمى لا يخل بالحفاظ عليه مطلب اقتصادي ولا دبلوماسي كيفما كان نوعه، فإن ارتباط المسلمين بدولهم وولاة أمورهم، وتضحيتهم بالنفس والمال ذودا على حمى الوطن والدين كان دوما على قدر إعلاء الدول لكلمة الله، وجعلها محورا تدور عليه باقي مصالحها الإستراتيجية، لهذا ألِف المسلمون أن يُرجعوا سبب خذلان الله لهم ولدولهم وتسلط أعدائهم عليهم إلى تقصيرهم في نصرة دين الله مرددين دوما قوله تعالى: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل