التبني واستكمال هدم الأسرة المغربية المسلمة

كثر الحديث هذه الأيام عن حكم التبني، بعد أن أصبحت معدلات الأطفال المتخلى عنهم تقض مضاجع المهتمين بهذا الصنف من ضحايا انتشار مفاهيم العلمانية والحداثة حول تصريف الشهوة، حتى أصبح مجتمعنا ينافس بعض المجتمعات الأوربية في إنتاج أولاد خارج إطار الزواج.
فعندما نسمع أن ما بين 400 و600 حالة إجهاض تسجل يوميا في المغرب، وأن عدد النساء اللواتي حملن خارج إطار الزواج أي من سفاح في الدار البيضاء وحدها بلغ حسب المؤسسة الوطنية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة 5000 حالة، ندرك أن مجتمعنا المغربي يعيش تحريرا للجنس يؤذن بفساد عظيم يستهدف المرأة والأسرة المغربيتين.
والخطير في الموضوع أن الطريقة التي يعالج بها المهتمون والمسئولون موضوع ممارسة الزنا تقتصر على معالجة الآثار الناجمة عنها كرعاية الأمهات اللائي أنجبن من حرام، وكفالة الأطفال المتخلى عنهم من طرف الأمهات والآباء الذين اقترفوا هذا الجرم العظيم، بينما الأسباب المنتجة لهذه الآثار فلا أحد يناقشها لأن مناقشتها لا بد أن تكشف التواطؤ الكبير بين العديد من الجهات لإقصاء الشريعة الإسلامية من تأدية دورها في تنظيم المجتمع، مما سيسلط الضوء على قصور المقاربة العلمانية المؤطرة للقوانين التي تعاقب على الفساد والتحريض عليه والخيانة الزوجية.
أمام تنامي هذه المعضلة اكتظت دور رعاية الأيتام التي لم تعد في الحقيقة دورا للأيتام حيث أصبح غالبية نزلائها أطفالا أبرياء ضحايا هذا التسيب الشهواني، مما دفع بالجمعيات المهتمة بالموضوع خصوصا العلمانية منها إلى فتح نقاش حول مسألة التبني عقدت له الندوات والمحاضرات، والأيام الدراسية وذلك لتباحث إمكانية تعديل القانون وإصدار تشريع يبيح التبني خلافا للحكم الشرعي القاضي بعدم جواز.
واللافت للإنتباه أن جمعيات أوربية علمانية هي من يؤطر هذه اللقاءات بصفتها داعمة للجمعيات المغربية وموجهة للنقاش نحو المطالبة بتعديلات تشريعية تيسر تطويق آثار ممارسة الزنا حتى لا تكثر الانتقادات المذكرة بتطبيق الأحكام الشرعية في الموضوع.
إن مجرد السماح بنقاش إمكانية إباحة التبني، يعتبر خيانة للأسرة وتهديدا لها ينضاف إلى باقي القوانين التي أضعفت تماسكها، خصوصا مع الإقصاء التام لعلماء المجلس العلمي الأعلى من مثل هاته اللقاءات، وتعويضهم بعلمانيين ذوي اهتمامات دينية أمثال مصطفى بوهندي الذي لم يترك شيئا حرمه الشرع تدعو له العلمانية إلا أفتى به.
ورغم أن التبني كان يؤدي دورا اجتماعيا مهما إلا أن الله سبحانه حرمه بعد أن ألفه الناس في الجاهلية واستمر العمل به مدة إلى أن أنزل الله فيه حكمه حيث قال تعالى: “ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ”.الأحزاب. وكان رسول الله أول من شمله الحكم إذ نزل في مولاه زيد رضي الله عنه.
ومعلوم أن الجمعيات العلمانية لا تكترث لمخالفة أحكام الشريعة، بل تطالب بتجاوزها كلما حقق ذلك منفعة مادية لها ولو متوهمة، وما دامت مقلدة للجمعيات الغربية العلمانية، فستأخذ على عاتقها النضال من أجل سن قوانين تبيح التبني، لذا يجب على العلماء أن يهيئوا أنفسهم للدفاع عما تبقى من إسلام في الأسرة المغربية.
قال العلامة عبد الله كنون الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب: “..يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم”، والتفسير الواقعي لهذا الحديث الذي ليست فيه شائبة ميتافيزيقية، هو أن الأمة مدعوة إلى القيام بهذا الواجب لضمان سلامتها من عوامل الانحلال وأسباب الاضمحلال، فإن ضيعته فإن الأمراض الاجتماعية ستستشري فيها بسيطرة الأشرار عليها وتوجيهها إلى المصير المظلم الذي تتردى فيه، فلا تقوم لها قائمة، ولا تنفعها بعد دعوة ولا دعاء، وهذا أمر مشاهد -مع الأسف- لا يمتري فيه أحد، وهو معقول المعنى، إذ أن السكوت عن المناكر بله تشجيعها بحجة احترام الحرية الشخصية، قد أدى شيئا فشيئا إلى انتشارها بكيفية فظيعة حتى طفت على السنن المعروفة، وقامت لها دولة وسلطان، فلا يقدر أحد الآن أن يغيرها، والذي يدعو إلى ذلك يصير هزؤا وسخرية بين الناس” مجلة دعوة الحق.
إن الدعوة إلى تجويز التبني يقصد منه التخفيف من الآثار الخبيثة لِما جنته المفاهيم العلمانية على بنية مجتمعنا المغربي المسلم المحافظ، فبعد إعفاء الزواني والزناة حتى من عقوبة القوانين الوضعية، وتوفير الوسائل للقيام بالاتصالات الجنسية الآمنة بين الشباب، والعناية الصحية والاجتماعية لمن تحمل من سفاح، والإعفاء للزناة من الزواج بمَن حملن منهم في حالة اعترافهم بنسبة الجنين أو المولود إليهم، فبعد هاته المراحل جاء زمن تذويب آلاف الأطفال الأبرياء ضحايا السفاح في المجتمع بتوزيعهم على الأسر عن طريق التبني حتى تختلط الأنساب فلا يعرف كريم النسب من الزنيم، ليتقدم العلمانيون بعد ذلك بمطلب سن قانون الزواج المدني مع جعل الزواج الشرعي اختياريا. وتتوالى بعدها قوانين تنظيم الشذوذ، والسحاق، والبغاء وهلم جرا إلى مستنقع الرذيلة والفسوق…
اللهم لا ترنا ذلك اليوم.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *