في النصف الأخير من الشهر المنصرم “ما بين 19 و21 نونبر”، استقبلت وزيرة الخارجية السابقة للكيان الصهيوني مجرمة الحرب التي قتلت و ذبحت أكثر من 1400 فلسطيني مسلم على مرآى ومشهد من العالم كله، وذلك على هامش تمثيلها للمجتمع المدني الصهيوني في أشغال المؤتمر الدولي الذي تنظمه مؤسسة “أماديوس”، الذي يرأسه إبراهيم الطيب الفاسي نجل وزير الشؤون الخارجية، صرحت خلالها المجرمة بأن (النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ليس نزاعا دينيا على غرار ما يستغله المتطرفون الذين ينشرون الكراهية. إنه نزاع وطني بين الإسرائيليين والفلسطينيين).
والظاهر أن العلمانيين مصرون على أن نقبل بمفاهيم التطرف والتسامح والكراهية التي تتطابق مع المفاهيم نفسها لهذه المصطلحات لدى الغرب والصهاينة، وهذا ما دفع علي بنجلون الناطق باسم معهد “أماديوس” إلى القول على قناة ميدي1 سات:
” كان هناك خطاب للسيدة ليفني مطبع بالإنسانية، كانت صراحة رسالة تعاطف من السيدة ليفني.. فكانت نقطة جد جد إيجابية خرجنا بها بعد تصريح السيدة ليفني”.
ألم تمثل هذه المجرمة شعبها عندما كانت تجمع تأييد الدول الغربية لجيشها من أجل إحراق أطفال وشيوخ غزة بالفوسفور الأبيض؟
وهل تخلت عن العنف كآلية لفض النزاعات، حتى نقبل بها ممثلة عن مجتمعها المدني في المغرب، ونسمح لأنفسنا أن نبحث معها سبل إيجاد حل للصراع الإسلامي/الصهيوني، وليس الفلسطيني/الإسرائيلي كما يحلو للصهاينة والعلمانيين أن يعبروا عند حديثهم عن القضية الفلسطينية.
إن هذه الفوضى العارمة التي يشهدها المغرب هي المفسر الوحيد لقيام إرهابية مثل “ليفني” بالحديث في بلد مسلم عن القضية الفلسطينية فتحظى بالإطراء والاستقبال، في الوقت الذي تخاف فيه أن تدخل تراب بلدان أوربية.
ثم كيف يطلب منا القبول بالتسامح مع أمثالها وما زلنا نرى الدماء تسفك يوميا على أرض مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أسير لدى جنود الاحتلال الصهيوني؟
ثم هل أنهت “ليفني” وجود أصحاب الضفائر واللحى متطرفي التلمود الذين يبنون المستوطنات تحت حراسة دبابات ومدرعات دولة الكيان الصهيوني التي يعتبرها الغرب المنافق الدولة الديمقراطية الوحيدة، رغم عنصريتها الواضحة خصوصا بعد بناء الجدار العنصري؟
لكن ما يشغب على القضية الفلسطينية هو خيانة العلمانيين الفلسطينيين لشعبهم وأمتهم، حيث انتقلوا من المقاومة والجهاد إلى الحوار والمفاوضات ثم إلى الاستسلام والانقياد، الأمر الذي أصبح معه كل من ينادي بتحرير القدس واسترجاع الأراضي المغتصبة متطرفا لا يقبل بالسلام، وهذا دليل آخر على أن العلمانية إنما يدعمها الغرب في البلدان الإسلامية لأنها الآلية الوحيدة التي تفصل المسلم عن قضايا أمته ودينه.
فماذا ربحت مصر والأردن من التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى نؤمل ربحه نحن؟
ثم هل ننتظر من الأمم الغربية المتحدة أن تحل لنا قضية فلسطين والقدس وما أخذ الكيان الصهيوني شرعيته إلى بقرار الاعتراف الذي أصدرته هذه المنظمة سنة 1947م؟
وكيف يقبل عاقل الاحتكام إلى الأمم المتحدة، التي أقامت الكيان الوهمي ولم يمض على إعلان دولته أكثر من سنة، بينما لا زال المسلمون والعرب والفلسطينيون يطالبون بمجرد السماح لهم في إنشاء وطنهم، وهم أصحاب الأرض والتاريخ والجغرافيا؟
وكيف بعد هذا يخرج علينا منتدى “ميدايز 2009” بإعلان طنجة يحثنا على: “لتكن الأمم المتحدة هي الفضاء الرئيس لاتخاذ القرارات التي تهم الصالح المشترك للإنسانية”؟
أين كانت الأمم الغربية المتحدة ومنظمتها عندما قامت أمريكا وأوربا بدك أفغانستان وتخريب العراق وإبادة مئات الآلاف من المسلمين ونهب ثرواتنا وهتك أعراضنا، من أجل البحث عن حفنة من البشر، أثبتت التقارير الأمريكية نفسها أن وزير دفاعها من كان يحبط عملية القبض عليهم حتى يتم مسلسل الإرهاب ويقضي مآربه منه كاملة؟
وهل من العدالة والتسامح والإنسانية أن نجمع أربعة ملايين يهودي من كل أرجاء العالم، ونسكنهم بلاد شعب ليقتلوه ويذبحوه لتخلو لهم الأرض يبنون عليها مجتمعهم، فيصير لهم دولة لها مجتمع مدني تأتي “ليفني” اليوم لتمثله في المغرب بعد ستين سنة من الإرهاب والتقتيل والظلم؟
وكيف نقبل أن يخرج علينا علي بنجلون الناطق باسم مؤسسة “أماديوس” وكله فناء في ضيفته “ليفني” وهو يمعن بكل ركاكة واضطراب في إطراء هذه المجرمة، مجترا خطابا تطبيعيا يعلم قبل غيره أن كل المغاربة الذين يشاهدونه يغيظهم إلى درجة الحنق أن يسمعوا مغربيا ولو بالاسم يمجد في من قتلت إخواننا من الفلسطينيين؟
فهل مسحت بضع كلمات تفوهت بها قصد تيسير مهمة دعاة التطبيع مثل: (السلام، وطن للفلسطينيين)، شلالات الدم الفلسطيني التي جرت على مر ستة عقود كان آخرها مجزرة غزة؟
الكل يعلم أن ما ينطق أبناء العائلات النافذة أمثال: “الفاسي وبنجلون ولحلو” ليس القضية الفلسطينية بالتأكيد، وإنما المال الصهيوني وما يخوله القرب من أصحابه من استثمارات ونفوذ، ويفتحه من أبواب جيوب.
فمجرمة الحرب “ليفني” تعلم يقينا بانتشار هذا الوباء العلماني في المغرب الذي سمح لها باستغباء المغاربة وترويجها لمشاريع كيانها الصهيوني القائم على أرض مسلمة وعلى أشلاء الملايين من المسلمين وهي موقنة أن أمثال إبراهيم الفاسي وعلي بنجلون لا يعرفون أي شيء عن القضية الفلسطينية إن لم تكن لهم فكرة مغلوطة لقنوها ضمن ثقافتهم الأجنبية التي تلقوها خلال دراستهم.
إن زيارة ليفني دليل واضح على هذه الفوضى وهذا التسيب الذي تستغله جهات داخلية وأخرى خارجية في تغيير قناعات الناس من خلال مفاهيم وأنشطة ومواقف وتصريحات يعطونها صبعة “رسمية” أو “شبه رسمية”، تجعل الكثير ممن يلزمهم الدفاع عن هوية البلاد ودينها يهابون الخوض فيها نظرا للسلطة التي يتمتع بها هؤلاء.
لذا أصبح لزاما على كل الفعاليات الوطنية أن تتحمل المسؤولية كاملة في الدفاع عن القضايا العادلة لوطننا وأمتنا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب/السبيل