تابع العالم كله فصول ما أسمته أمريكا وحلفاؤها حربا عالمية على الإرهاب، ورأوا حجم الدمار الذي أحدثته الآلة الأمريكية في أفغانستان والعراق والصومال، دون تمييز بين طفل أو امرأة أو شيخ، ودون تفريق بين مسجد أو مدرسة وبين منشأة عسكرية، حرب تخلت من أجلها دول العالم الحر عن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ريثما تنتهي من إعادة رسم خارطة العالم الإسلامي مرة ثانية.
فأنشئ سجن غوانتانامو ليؤسس لمفهوم جديد للديمقراطية، ديمقراطية تبيح السجن دون محاكمة، والتعذيب بمختلف ألوانه وأشكاله المهم أن لا تنتهك المبادئ الديمقراطية داخل الدول الأوربية أو أمريكا.
كما تابع المسلمون بأسف بالغ كيف هرولت الكثير من دولهم إلى تعديل مقرراتها الدراسية حتى تتماشى مع مبادئ التسامح ونبذ الحقد والكراهية، وقبول الآخر، الأمر الذي استلزم حذف كثير من الآيات والمفاهيم الإسلامية خصوصا تلك المرتبطة بعقيدة الولاء والبراء، مشاركة من حكوماتها في تجفيف منابع التطرف والإرهاب.
واليوم وبعد مرور أكثر من ثمان سنوات على انطلاق الحرب العالمية على الإرهاب التي وصفها بوش الصغير عندما أعلن عن انطلاقها بأنها حرب صليبية مقدسة، تكشف لنا مجزرة غزة التي أقامها الصهاينة للمسلمين لكسر مقاومتهم أن وصف الإرهاب لا يلحق إلا اللحى التي يستند أصحابها في إعفائها على القرآن والسنة النبوية، أمل لحى التلمود والكتاب المقدس، فلها كامل الشرعية في أن تركب الدبابات، وتحلق بالطائرات العسكرية لتدمر وتقتل وتبيد الآلاف من الأبرياء بدعوى أن هناك في غزة إرهابيون يهددون أمن المستوطنين الصهاينة الذين لفظتهم الدول الأوربية الديمقراطية، وبنت لهم وطنا قوميا على حساب شعب فلسطين المسلم.
إن خبر اللحى ليس ضربا من الخيال، بل هو واقع ما له من دافع، تناقلته بالصور القنوات الفضائية واعترف به المسؤولون الصهاينة.
قال “أفيخاي أدرعي” الناطق باسم الجيش الصهيوني: “الحاخام العسكري التقى بالجنود وشرح لهم حق هذه العملية العسكرية كل الجنود كانوا يؤمنون بصدقية هذه العملية العسكرية -أي مجزرة غزة- “.
فمن هو هذا الحاخام العسكري؟
إنه ليس رجل دين يهودي عادي، إنه الجنرال “أفي رونتسكي” كبير الحاخامات العسكريين، مارس دوره كمرجعية أخلاقية في الحرب الأخيرة ونضحت تعليماته بين اليهود بعنصرية أثارت حتى جمعيات حقوقية داخل إسرائيل.
يقول المؤرخ الأمريكي اليهودي الدكتور “نورمان فنكلشتاين”: “الجميع يتحدث عن ما يقوله الحاخامات، حسنا إنهم نازيون، ولكن ما الذي يميزهم عن إيهود باراكا أو تسيفي ليفني جميعهم منتشون بما فعلوا لقد قدموا عرضهم في غزة، حسنا لقد كانوا شجعانا وجريئين بارتكابهم محرقة لأربعمائة طفل وقتل 1300 ضحية هذه فعلا شجاعة”.
لقد بات مكشوفا أن الدول الغربية تلعب دورا قذرا في توسيع الهوة بين الحكومات الإسلامية وبين مواطنيها الملتزمين بتعاليم الإسلام، حتى تضمن استمرارية الفساد السياسي والإداري من جهة، وحتى تكرس الصراع بين فئات المجتمعات الإسلامية، لتستنزف كل قدراتها على تحقيق أي تقدم أو نمو.
لا شك أن كل من تابع الحاخامات والجنود الصهاينة على الدبابات بلحاهم وقلنسواتهم وهم يتلون تعاليم التلمود العنصرية الإرهابية، يتذكر كيف كانت الجرائد تطالعنا بأخبار الإقالة في حق كثير من العسكريين المغاربة لأنهم ملتزمون جيدا بتعاليم الإسلام.
إننا نأسف أسفا شديدا لهذا الربط الذي يحاول أن يقيمه كثير من المسؤولين بين إعفاء اللحية والتطرف، وبين الالتزام والتزمت، والغريب أن تجد هؤلاء المسؤولين أنفسهم في مناسبات عديدة يصححون سلوك الناس ومواقفهم اتجاه الحرية الفردية ويطالبون الناس ألا يحاكموا بعضهم انطلاقا من اللباس أو استنادا على طبيعة الأفكار والمعتقدات.
إن الفساد السياسي والإداري والأخلاقي الذي تعيشه البلدان الإسلامية لا دواء له إلا بتكثير العنصر البشري الملتزم بتعاليم الدين ومقومات الأخلاق والقيم، فقد فشلت كل محاولات القضاء على الفساد لأنها بنيت على أساس غير ديني، هيمنت عليه العلمانية بماديتها، التي تشجع النزعة النفعية على حساب القيم والأخلاق.
إن على المسؤولين في البلدان الإسلامية أن يعوا أن أبناءهم الملتزمين بدينهم هم استمرار لتاريخ مجيد بنته الشريعة الإسلامية والقيم الإسلامية والهوية الإسلامية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل