مافتئ العلمانيون يروِّجون للفكر الغربي ويدعون إلى نبذ الدين وفصله عن السياسة والتشريع، مستنكرين استعمال آيات القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه أي عمل حكومي، أو تنظيم للشأن العام، مطالبين بالاستعاضة عنه بما أثبته العلم، وما وصلت إليه الحضارة الغربية، إلا أننا ألفنا منهم التنكر لما يُقره العلم الغربي إذا ما وافق التشريع الإسلامي، ويشهد على هذا موضوع ارتباط تفشي داء السرطان بتناول الخمور، وهو ما أكدته الدراسة التي أنجزها المعهد الوطني لمكافحة السرطان في فرنسا، والتي بينت أن استهلاك الخمور يؤدي إلى الإصابة بالسرطان قطعا، وأن تناول كأس واحدة منها يسبب السرطان، بسبب أن الخمور تدمر الحمض النووي للإنسان.
ورغم أن الحدث تناولته بعض الأوساط المغربية إلا أن المثقفين العلمانيين أصروا على التزام الصمت رغم تصريح وزير الصحة المغربي السابق، في مؤتمر حول السرطان انعقد بمراكش سنة 2007، أن النسبة السنوية للإصابة بهذا الداء تقدر بنحو ما بين 30 ألفا و54 ألف حالة جديد كل سنة.
فأين ادعاء العلمانيين الدفاع عن مصالح المواطنين والحرص على سلامتهم وصحتهم؟
إن المصالح الشخصية للإعلاميين والمثقفين والسياسيين العلمانيين والمتمثلة في حرصهم على استمرار علاقاتهم مع الشركات المنتجة للخمور وما ينتج عنها من صفقات الإشهار وغيرها، يحول دون أن يدرجوا مطلب مكافحة بيع الخمور وتعاطيها ضمن جدول أعمالهم.
في حين تبقى أهم الأسباب التي تقف وراء تفشي ترويج الخمور ما أفرزته المفاهيم العلمانية من سلوكيات منحرفة، وكذا ما يبتدعه الفكر العلماني الشهواني من مصطلحات تحرم الحلال، وتحلل الحرام، فالحجاب في تصورهم انغلاق، والنقاب لباس أفغاني، والالتزام في المظهر والسلوك تشدد، بينما الربا فائدة بنكية، والرقص والسينما الماجنة فن، وسباحة المرأة والرجل في عري شبه تام رياضة، واللواط والسحاق مثلية وحرية شخصية، أما الخمر فمشروبات كحولية أو روحية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تنبأ بما سيكون في مثل زمن التسلط العلماني حيث قال: “ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض. ويجعل منهم القردة والخنازير” صحيح الألباني، انظر مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود.
فهل نعود إلى امتثال أمر ربنا وسنة نبينا؟
أم ننتظر حتى تتحقق النبوءة الثانية، فيخسف الله بنا الأرض؟ خصوصا وقد أصبح فينا كثير ممن يجمع بين الخمر والمعازف والقينات أي “الشطاحات” ولعل هذا الوصف ينطبق على الكثير من الأجواء التي تسود المهرجانات.
وعلى ذكر الخنازير، فقد كشفت تداعيات ظهور داء أنفلونزا الخنازير أن من المغاربة المسلمين من يربي الخنازير ويتاجر فيها ويأكل ثمنها، ونشرت ذلك أغلب وسائل الإعلام ولم يعد ذلك يخفى على أحد.
وهنا لا بد أن نعرج على ساداتنا العلماء أعضاء المجلس العلمي الأعلى الذين يراد منهم أن يدمجوا الخطاب الإسلامي في الحياة الاجتماعية للمغاربة، لنستفتيهم في أدب واحترام، عن حكم الخمر والرقص وأجور القينات وأكل لحم الخنزير، ونرضى منهم الاقتصار على مذهب الإمام مالك، حتى لا ينزعج العلمانيون وينعتونهم بالوهابية أو الحنبلية أو بالطالبانية أو بالخروج على مذهب البلاد، لكن نرجو ونلتمس منهم أن يصدروا بذلك فتوى رسمية تطمئن قلوب المؤمنين الذين أزعجهم منظر الخنازير في الضيعات الفلاحية والمحلات التجارية المغربية. ولا بأس أن تكون فتواهم كجواب الحكيم، فيعرجوا على حكم الشرع في إعلانات الخمور التي تقتحم بيوت المغاربة المسلمين دون استئذان، ودائما وفق المذهب المالكي، حتى نبقى في مأمن من تهمة الوهابية والتأثر بالفتاوى المشرقية.
حقيقة يحتاج الأمر إلى وقفة حازمة من السلطات العليا في البلاد لأن أمورا كثيرة ليست على ما يرام، وإن كنا نثمن الكثير من الإجراءات والتدابير التي تقوم بها مصالح الأمن في الشهور الأخيرة، والتي لن تروق العلمانيين، لكن لا ضير، فمادامت تطمئن قلوب الصالحين والمؤمنين فلا بأس إذا ما أزعجت مثل كاتب افتتاحية الصباح الذي ينكر على مصالح الأمن أن اعتقلت 19 فتاة لمجرد التحقيق بعد أن اشتبهت في كونهن مومسات يترصدن ضحاياهن من بين الأجانب، بينما يستهزئ في نفس المقال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحجاب، ولا بأس أن يموت قلب مدير مجلة نيشان الذي يدعو إلى ممارسة الجنس وترويج المخدرات ويدافع عن المنصرين، بينما يزعجه ويقض مضجعه بلاغ لوزارة الداخلية بخصوص اللواطيين أو دعاة الرفض.
إن على الدولة أن تتصالح فعلا مع هويتها الإسلامية، وأن تحارب بقوة وفي حكمة الهيمنة العلمانية، إذا كانت بالفعل تريد مستقبلا آمنا من الصراعات الداخلية، فالمغاربة لن يكونوا أبدا علمانيين أو لا دينيين.
وليكن شعارها قول ربنا: “فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” الشورى.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم