واجب وزارتي الشوباني والعنصر في محاربة التدخلات الأجنبية في “المجتمع المدني” المغربي

لا يخلو مجال من المجالات في المغرب إلا وتجد الأيادي الغربية تعمل فيه بكل جد ونشاط إما من خلال الدعم المالي أو التأطير الفعلي أو عن طريق تكوين الخبرات، حتى ليخيل للمتتبع أن الدولة غارقة في سباتها تاركة المجتمع المغربي فريسة للتدخلات الأجنبية توجه ذوقه وتربي نشأه، وتقوي لديه النزوع إلى كل ما هو غربي، وكل ذلك تحت مظلة التعاون الثقافي، أو دعم الإصلاحات التي يقوم بها المغرب في سبيل ترسيخ ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لذا، فلا نستغرب أن يقوم السفير الأمريكي صامويل كابلان بزيارة الخميس الماضي للحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ليظهر مدى إعجابه الكبير بما تقوم به الحكومة من مجهودات في إعداد مجموعة من القوانين المتعلقة بتنظيم المجتمع المدني، مبديا استعداده، عن طريق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لتقديم كل أشكال الدعم لبلورة إجراءات فعالة كفيلة بتعزيز دينامية “المجتمع المدني” التي أطلقتها الحكومة، وبخصوص في مجال بناء القدرات وتبادل الخبرات في مجال النشاط المدني.-حسب بلاغ الوزارة-.
فإذا كان “المجتمع المدني” قد أصبحت له -حسب السيد الشوباني- أهمية دستورية بالغة وغير مسبوقة إفريقيا وعربيا في ظل الدستور الجديد٬ فهل يجدر بنا أن ندعه مفتوحا على مصراعيه دون رقابة أمام التدخلات الأجنبية تؤطره حسب برامج حكوماتها وحسب مشاريعها ومصالحها وأطماعها؟
فبالنظر إلى حجم التمويل الأجنبي الذي تُضخ ملياراته سنويا في صناديق جمعيات هذا “المجتمع المدني” المغربي واعتبارا للعقلية التوسعية “الاستعمارية” التي تشتغل بها البعثات الثقافية الغربية والتي يحكمها منطق الإلحاق الحضاري، والحرص على تكريس وتقوية تبعية دولنا لحضارتهم، ونظرا كذلك لعدد الجمعيات بالمغرب والذي بلغ إلى حدود عام 2007 ما مجموعه 44 ألفا و771 جمعية -حسب دراسة للمندوبية السامية للتخطيط-، فاعتبارا لكل هذا نرى لزاما على الدولة أن تفتح أعينها جيدا لمراقبة وتتبع ما يتسرب إلى بنياتنا المجتمعية من سموم الغرب المخلوطة بحلاوة أمواله وطلاوة عبارات مسؤوليه، والمتسربلة بعباءة ثقافة حقوق الإنسان الواسعة التي تشمل فيما تشمل حقوق الشواذ والسحاقيات وحرية الاعتقاد بل حرية الإلحاد المختبئة في عبارة “حرية الضمير” كما هو مضمن في الدستور الفرنسي الذي طالبت بعض الجمعيات الحقوقية المغربية اقتباسها منه وتضمينها الدستور المغربي الجديد. .
إننا حقيقة في حاجة إلى دراسات تتابع مناشط الجمعيات الأجنبية التي تعمل في المجتمع المغربي وترصد أعمال وبرامج السفارات الغربية لنقف على مخططاتها وحقيقة مراميها، فمن الغباء التام أن نعتقد أن الدول الغربية في عز أزماتها الاقتصادية وفي غمرة حراكنا المجتمعي تغدق علينا أموالها من أجل رقينا وتقدمنا وقوتنا ونمو اقتصادنا.
ففي مصر الشقيقة “كشفت التحقيقات التي أجراها مستشاران منتدبان من وزير العدل للتحقيق في وقائع التمويل الأجنبي غير المشروع لعدد من منظمات “المجتمع المدني” المصرية والأجنبية أن أمريكا قامت بتقديم حجم هائل من التمويل لمنظمات مصرية وأمريكية تعمل على أرض مصر في أعقاب ثورة “25 يناير” على نحو يفوق عدة مرات ما كانت تقدمه لتلك المنظمات من قبل، لاسيما خلال فترة من عام 2005 وحتى عام 2010. وأظهرت تحقيقات المستشارين في هذه القضية التي أحيل فيها 43 متهما إلى محكمة “جنايات القاهرة” من بينهم 19 أمريكيا وآخرين من جنسيات أجنبية آخرى، أن هذه الأموال التي كانت تقدم للمنظمات سواء المصرية أو الأمريكية العاملة على الأراضي المصرية، كان يتم اقتطاعها من المبالغ المخصصة للأعمال التنموية المتفق عليها سلفا بين مصر وأمريكا في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية على ضوء برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية حيث كان يجري تحويل جانب كبير من أموال البرنامج لصالح تلك المنظمات، على الرغم من كونها تضطلع بأعمال سياسية بحتة”.
أما في المغرب فبفعل التكتم والتواطؤ، تعوزنا الأرقام والمعلومات للوقوف على حجم الاختراق الغربي للمجتمع المدني المغربي ونأمل من الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و”المجتمع المدني” بالتعاون مع مصالح وزارة الداخلية أن تطلع الرأي العام على حقيقة التواجد الملتبس للجمعيات والمنظمات الأجنبية الحكومية وغير الحكومية.
وفي انتظار ذلك، نأخذ كمؤشر الحضور الفرنسي القوي جدا في المغرب على مستويات مختلفة، وبالأخص على مستوى التعليم والثقافة؛ فعلى المستوى التعليمي: نجد -بالإضافة إلى اعتماد كل مدارس التعليم الخاص للمقررات المستوردة من فرنسا-، عشرات الآلاف من أبناء المغاربة يخضعون للنظام التعليمي التابع للبعثة الفرنسية، فقد صرح آلان جوبي وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، خلال كلمة ألقاها على طلبة أحد المعاهد العليا بالرباط على هامش زيارته للمغرب في شهر مارس المنصرم: “أن 62 ألف تلميذ مغربي يدرسون في المدارس الفرنسية المتواجدة في المغرب حيث تحتل المملكة الصدارة عالميا”. فكم يا ترى تخرج من هذه البعثة خلال الـ 55 سنة عمر الاستقلال؟
وهل يمكن اعتبار ما عرفته كنانيش التحملات الخاصة بالقطب الإعلامي العمومي من ممانعة ومقاومة ومهازل وفضائح دليلا على قوة تلاميذ فرنسا المتحكمين في دواليب الوزارات والمؤسسات العمومية وغير العمومية، وفي جمعيات “المجتمع المدني” وغير المدني؟
أما بالنسبة لبنيتنا الثقافية، فبالإضافة إلى الدعم الكبير الذي تتلقاه الكتب الصادرة بالفرنسية في المغرب من طرف السفارة الفرنسية والمنظمات التابعة لها، نجدها تخصص ميزانية للأنشطة الثقافية تقدر حسب تصريح السفارة الفرنسية نفسها بـ: مليون و200 ألف أورو وذلك برسم سنة 2011، حيث كشفت السفارة في الثاني من شهر فبراير من السنة الماضية عن خطتها لمضاعفة الحضور الثقافي والفني الفرنسي في المجال العام بالمغرب، موضحة أنها أشرفت على توحيد طاقات معاهدها الثقافية ورابطاتها العاملة في مجموع التراب المغربي من أجل وضع برنامج إشعاعي ضخم تتوزع فقراته على جميع جهات المغرب، كما أوضح السفير الفرنسي بالمغرب خلال ندوة صحافية عقدها بمقر إقامته -فبراير السنة الماضية-، أن هذه الأنشطة الثقافية الضخمة ستدور حول أربعة محاور هي السيرك والرقص والصورة والكتاب المصحوب بنقاش حول الأفكار، وبرر السفير توحيد عمل المؤسسات الثقافية الفرنسية بالمغرب بالرغبة في تنظيم عروض فنية كبرى، وتعبئة الشركاء والفاعلين في هذه المجالات الثقافية والفنية وملامسة شريحة واسعة بالإضافة إلى استقطاب شركات ومؤسسات كبرى.
فهل بعد هذا التغلغل الكبير للدول والمنظمات الغربية وما ينتج عنه من إعادة صياغة للشخصية المغربية وميولاتها وقناعاتها، يمكن الحديث عن هوية المغرب أو عن خصوصيات المغاربة أو عن ثوابتهم؟
لقد بات من أوجب الواجبات المنوطة بوزارتي الشوباني والعنصر العمل على محاربة التدخلات الأجنبية في “المجتمع المدني” المغربي حماية لأبنائنا من التغريب وصيانة لمقومات هويتنا الإسلامية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *