كلمة العدد

تتصارع الأفكار والمناهج وتتدافع النظريات والإديولوجيات دون توقف, وأيما نظرية أسندها السلطان والقوة صارت حاكمة على رقاب الناس, منظمة لسلوكياتهم.
الشيوعية كانت فكرة لكارل ماركس وانجلز يهوديين ماديين ملحدين نظَّرا لعالم مادي شهواني لا دين فيه ولا قيم, ولأمر ما أراد من يحارب الأديان أن تطبق نظريتهما بالنار والحديد ليكون هناك معسكر شيوعي اشتراكي يلتهم فيما بعد جل الدول الإسلامية بعد انفراط عقد الخلافة, فوقع التنسيق مع ثوار أغمار يهود كانوا في المنفى على أساس أن يمدهم أعداء الدين وعباد المادة بالمال والعتاد ليقلبوا النظام في روسيا القيصرية فكان ذلك وأولئك الأغمار كان منهم اليهوديان “لينين” و”ستالين” ومن وراءهم من يهود روسيا فكانت الثورة وكان الالحاد, وانتشر الاستهزاء بالله سبحانه والتطرف والكفر، فلما أسندت الفكرة بالمال والسلطان انتشرت ومكن لها في بلدان عديدة، بل تمكنت من أن تجد لها من يحتضنها في أغلب البلدان الإسلامية فروجت لنبذ الدين بدعوى ترك التقليد ورفع القيود المورثة.
فلما سقط المعسكر الشيوعي آمن الكل بالأنموذج الوحيد وهو الحرية ورفع القيود عن الإنسان وتغير الخطاب الإيديولوجي وأصبحت الدول الكبرى تعتمد الديمقراطية إيديولوجيا تحتل بها البلدان، وتنهب من خلالها الثروات لهذا لا يعجب المرء إذا ما سمع “أولمرت” و”بوش” و”بلير” يتحدثون عن الديمقراطية في العراق وأفغانستان وفلسطين، كما لا ينبغي له أن يعجب إذا رأى العلمانيين الاشتراكيين أمثال عباس أبو مازن، وقريع وعريقات يضعون أيديهم في أيدي الصهاينة ضد المسلمين في فلسطين.
كما لا يجب أن نعجب إذا ما قرأنا في “نيشان” أن: “كثيرا من المسلمين سواء (كانوا مومنين أم لا) ممتنون لمجلة “لونوفيل أوبسيرفاتور” لأنها مكنتهم من التعرف على النبي محمد بعينه وصفاته”. ولا نعجب أيضا إذا ما استهزأت نفس المجلة بالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم في العدد نفسه، لا ينبغي أن نعجب لأن القلوب واحدة ما دامت العقيدة العلمانية توحد بينها.
إن الحرية التي يتحدث عنها “أولمرت” و”بوش” و”بلير” هي الحرية نفسها التي جعلت مجلة “نيشان” بالمغرب تتطاول على الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته, وهي الحرية نفسها التي جعلت البرلماني الاشتراكي لقرية “أبا محمد” يسخر من الأمة ويتهمها بالكذب ويتهم الإسلام بالعجز والقرآن بمخالفة العقل والعلم.
إن أزمتنا في المغرب إن لم يتحمل الكل مسؤولياتهم لن تزيد إلا اشتدادا وضيقا, فالقائمون على الأمر في البلاد أصبح واجبا عليهم محتما أن يأخذوا بعين الاعتبار الصراع الذي يعيشه الشعب والحاصل بين ما يعتقده ويرى أنه هويته من دين ولغة وتاريخ وبين ما يروج له مجموعة من العلمانيين باسم الحرية والديمقراطية وطلب التقدم.
وحتى لا نصل إلى وضع لا نعرف الخروج منه وجب على المسؤولين أن يعيدوا النظر في المفاهيم التي تحملها قوانينهم وفيما يخترق حياتنا يوميا ليؤسس للفوضى ويدنس مقدساتنا.
فما معنى أن يعطى للسياسة الحرية المطلقة في نقد القرآن العظيم والتهجم على النبي صلى الله عليه وسلم وسب الصحابة, واحتقار الشريعة في الوقت الذي تكمم فيه أفواه العلماء فلا يستطيعون الجهر بالحكم الشرعي في مسائل يحتاجها المواطن المغربي كل يوم لا لشيء سوى لأنها تمس قانونا يخالف الشريعة الإسلامية، كما وقع في الرد على “القرضاوي” في مسألة الربا بحيث من تأمل البيان ظن أن من أصدروه يتحدثون من أنوفهم لأن أفواههم مكممة.
إن المغاربة ينتظرون من علمائهم وحكامهم أن يتحملوا المسؤولية في الذب عن مقدساتهم, بصفة دائمة لا ينتظرون فيه تأزم وضعية ولا تحرك الشارع, ولن يستطيعوا القيام بهذا الواجب إلا إذا أعطيت للعلماء الصلاحيات الكاملة في انتقاد وفضح كل من تعرض للدين بسوء, دون اعتبار للحسابات الرسمية أو السياسية.
لقد أصبحنا بالفعل أمام سياسة لتكميم أفواه العلماء والدعاة, في الوقت الذي ينادي فيه العلمانيون باستقلال القضاء حتى عن ملك البلاد, وأن يغير الدستور حتى تقيد صلاحيات المؤسسة الملكية ليصبح الكل مقيدا بالقانون المفصل وفق النظريات والأهواء العلمانية, فكل القوانين يجب أن تعدل حتى تكمم أفواه من يدعو إلى الدين, وتنطلق ألسنة من يدعو إلى العلمانية.
إن عدم الأخذ بعين الاعتبار التحول الاجتماعي الحاصل في المغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة وخصوصا على مستوى التدين والرجوع إلى الله من شأنه إذا ما قوبل بالتجاهل أو بالقمع أن يحدث الكثير من التنظيمات التي تحبذ العمل في الظلام والسر نظرا للقمع والظلم.
فما أغنانا عن وضع أشبه بجزائر التسعينات وما أغنانا عن الاقتتال والتناحر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *