درس مصر البليغ.. فضيحة العلمانيين

المتابع لما يجري في مصر الشقيقة من صراع محتدم يفتعله العلمانيون للحيلولة دون استقرار الوضع للإسلاميين في الحكم، يقطع بأن العلمانيين لا تهمهم الديمقراطية، ولا يهمهم الإعلان الدستوري ولا الجمعية التأسيسية، كما لا تهمهم مصالح الشعب المصري ولا أمنه ولا استقراره، فمفهوم الفوضى الخلاقة الذي حكم سياسة أمريكا الامبريالية في احتلال العراق الشقيق، هو المفهوم نفسه الذي يحكم مواقف المعارضة العلمانية، خصوصا إذا علمنا أن قادة هذه المعارضة عقدوا عدة اجتماعات مع السفيرة الأمريكية “آن باترسون” التي اشتهرت بلقب مهندسة فوضى باكستان، وغير خاف على أحد أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في بلداننا يتولى تنفيذها على أرض الواقع سفراؤها وما يوفر لهم من جيوش استخباراتية ومثلها من الباحثين والصحفيين ورجال الأعمال.
لكن ما يهمنا في القضية المصرية هو أن نستوعب الدرس جيدا والذي يتضمن ملخصه أمورا نجملها في النقاط الآتية:
1- العلمانيون لا يعنون باحترام الديمقراطية، إلا إذا أسفرت عن تمكين الأحزاب العلمانية من الحكم، وذلك لأن الديمقراطية عند العلمانيين لا بد أن تكون علمانية في آلياتها وفي نتائجها، بحيث لا يقبلون أن تفرز صناديق الاقتراع -مثلا- نتائج تمكن من الرجوع إلى الاحتكام للشريعة، ولو عبَّر الشعب عن ذلك بأغلبية مطلقة وبآليات ديمقراطية؛ فماذا بقي من الديمقراطية إذن سوى الدعوة إلى العلمانية؟
2- العلمانيون دائما على استعداد للانقلاب على ما تفرزه صناديق الاقتراع إذا كانت نتائجها لصالح الإسلاميين، رغم أنهم طوال حكم الطغاة الديكتاتوريين كانوا يلزمون الإسلاميين بضرورة الرضا بحكم تلك الصناديق الشفافة، وباحترام إرادة الشعب، فلما قال الشعب إنه يريدها إسلامية، قالوا: لا، بل لا بد أن تكون علمانية، وطالبوا بإسقاط الرئيس الذي انتخبه الشعب، وأعطاه ثقته؛ فكفروا بالصناديق والصوت والشعب، وهذا ما دفع صحيفة الجارديان البريطانية إلى التعليق عن الأحداث في مصر بعبارة: “الرئيس المصري يتعرض لمؤامرة غير أخلاقية”؛ بينما دفعت هذه الحقيقة صحيفة الناشيونال بوست الكندية إلى التصريح بوضوح أكثر عندما قالت: “علمانيو مصر يرفضون الالتزام بقواعد الديمقراطية”.
3- العلمانيون معادون لشريعة الإسلام وليس للإسلاميين، لأن عداءهم ليس لأشخاص الإسلاميين، بل لما يحملونه من برامج تروم إرجاع الاعتبار للشريعة الإسلام ولو جزئيا، ويستخفون وراء مبادئ علمانية انطلت على البعض بفعل عقود طويلة من التغريب؛ من قبيل: “فصل الدين عن السياسة”، “الدين مسألة شخصية ولا علاقة لها بالشأن العام”…
4- العلمانيون مستعدون للتحالف مع الغرب والقبول بإملاءاته، شريطة أن يكون لهم الحكم، فمن هو البرادعي؟ ومن هو عمرو موسى؟ أليسا من رجال الغرب وخدامه؟ فالأول كان عميل أمريكا في قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي اتُّخذت ذريعة لغزوه واحتلاله، والثاني خادمها الوفي في وزارة الخارجية إبان حكم الطاغية مبارك، وأمين عام العربان في جامعة أحدثت خصيصا لإنتاج الهزائم النفسية لدى الشعوب العربية.
5- كل الافتراءات التي يروج لها العلمانيون لتلويث سمعة الإسلاميين لدى الرأي العام، تثبت أن الصدق والنزاهة لا علاقة لهما بسلوك العلمانيين، وأنهم يستبيحون كل الوسائل القذرة من أجل أن يستولوا على السلطة، فكيف يطمع في أمانتهم وصدقهم إذا تولوا أمور الناس.
6- قتل العلمانيين لخمسة من الإسلاميين دليل على أن ادعاءاتهم تبني مبادئ من قبيل: نبذ العنف والتعصب والانغلاق، والقبول بالآخر مهما اختلفنا معه، واعتماد الحوار وسيلة وحيدة لحل الخلافات، كلها ادعاءات باطلة لا ترفع إلا في وجه الإسلاميين؛ أما إذا كانوا هم من يجب عليه الرضوخ لها لا يترددون في رفضها ومخالفتها بدعوى الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية من خطر الإسلاميين.
7- العلمانية عند أصحابها ليست مجرد قناعة فكرية بل عقيدة يجب أن يدين بها الجميع، ويخضع لها الكل، ولو اقتضى ذلك حربا بين أفراد المجتمع الواحد، المهم ألا يستولي الإسلاميون على الحكم.
إلا أن هذه النقاط المستخلصة من ملف القضية المصرية، تحيلنا على الصراع التاريخي بين العلمانية والإسلام في مصر الشقيقة حتى قبل نشوء جماعة الإخوان المسلمين أو حزب النور السلفي، فبمجرد إعلان سقوط الخلافة الإسلامية عن سدة حكم البلدان المسلمة سنة 1924م على أيدي البريطانيين بلسان العلماني كمال أتاتورك صنيعتهم، أصدر علي عبد الرازق كتابه الإسلام وأصول الحكم في سنة 1925م أنكر فيه أن يكون في الإسلام نظام للحكم، ثم تلاه طه حسين بكتابه في الأدب الجاهلي سنة 1926م أنكر فيه الأدب العربي الجاهلي، وانطلق يدعو في غيره إلى وجوب تقليد الغرب في ثقافته كلها دون تمييز بين القيم والتكنولوجيا حتى دعا إلى إلحاق مصر بالدول الغربية..
ومنذ ذلك الحين وكل المسلمين الغيورين من علماء ودعاة ووطنيين يقاومون العلمانية في كل صورها، ويعملون من أجل استئناف العمل بنظام الخلافة، لكن عوامل مثل الانحطاط العلمي والتكنولوجي والتخلف والفقر والبدعة والانحراف العقدي، استغلت أبشع استغلال من طرف المحتل الغربي العلماني في كل البلدان الإسلامية، فاستطاع بمكر الليل مع النهار تكوين وصناعة جيل من المستغربين جعلهم خليفته ووكيله في استكمال عملية تغريب الشعوب الإسلامية، وعلمنة نظم الحكم في دول المسلمين، وتعتبر المعارضة العلمانية في مصر امتدادا لهذا الجيل.
لكن ما لا يريد العلمانيون فهمه ولا تقبله؛ هو أن الشعوب المسلمة لابد لها من الرجوع إلى إسلامها، طال الزمن أو قصر، لأنها ترى ذلك واجبا شرعيا ووعدا إلهيا، أما ما نراه من تهور العلمانيين وجنوحهم إلى التواطؤ مع الغرب للانقلاب على الحكم مرة أخرى، فيُنذر بفوضى وفتنة ربما يعرفون متى ستبدأ، لكن لا أحد يمكن أن يحدد متى ستنتهي، فلا نظن الإسلاميين -مثلا- في مصر مستعدين لأن يعيشوا تحت ظل التسلط العلماني والدكتاتورية اللادينية قرنا آخر يعانون فيه من التعذيب والسجن والتضييق والإرهاق.
لهذا كله نرى أن الشعوب المسلمة لا يكفيها كي تحيا بكرامة أن تتحرر من حكم الطغاة فقط، بل يجب عليها أن تنبذ كل ما أدخله المحتلون والعلمانيون من انحرافات عن شريعة الإسلام وأحكامه، وفي كل الميادين: الفكرية والعقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، مما يستدعي من كل المسلمين العمل الدؤوب المستمر حتى تحيا شعوبنا مرة أخرى في ظلال دوحة الإسلام الوارفة.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *