أن نفكر في التقدم شيء جميل، وأن نخطط للازدهار شيء أجمل، لكن أن نسلك طريق التخلف والتدهور ومع ذلك نرفع أصواتنا عاليا محاولين إقناع الناس أننا على طريق الفلاح، ونوهمهم بقرب بزوغ فجر يصبح الإنسان وقد وجد بدل المستشفى عشرة، وبدل الجامعة مائة، وبدل المدرسة ألفا، فهذا مسلك المعتوهين ودرب المجانين.
ولربما أصاب المواطنَ البسيط الصَّمَمُ من كثرة ما يردد البعض على مسمعه كلمات من قبيل: الحق والقانون، محاربة الرشوة، محاربة الفساد، محاربة الفقر، العدل، المساواة..وتستمر الحكاية.. ويبقى حال المواطن المسكين كحال رجل هدَّه الجوع وسئم كثرة الضجيج من حوله، مادًّا يديه بكيس ينتظر أن تقذف الطاحونة ما أودعه في جوفها من حبوب، دقيقا يسكت به صراخ عياله، فبينما هو كذلك، إذ وقف بجانبه شخص في مثل حاله سائلا إياه عن صحته كيف هي؟ فأجابه المسكين دون تفكير أسمع جعجعة ولا أرى طِحْنا.
لم أورد هذا المثال لأبين حاجة الناس وفقرهم فهذا شيء لم يعد خافيا على أحد، وإنما أوردته لتناسبه بل تماثله مع خطابات القادة والزعماء المبشرين بالرفاهية والازدهار والتقدم طيلة الخمسين سنة الفارطة والحالة المتردية السائدة ملؤها التخلف والانحطاط.
فكم من الاجتماعات عقدت لمحاربة الأمية مثلا، وكم يصرف على هذا المطلب، لكن تبقى الأمية متزايدة بسبب انقطاع العديد من الأطفال عن التمدرس في سن مبكرة، وانعدام خطة لإعادة إدماجهم في سلك التعليم مع ضعف وندرة المؤسسات التعليمية في العالم القروي، بل تنضاف إليها الأمية الدينية لتصبح شوارعنا مراتع لأصحاب السوابق يقطعون على الناس الطريق في واضحة النهار.
إن أغلب وأهم مشاكلنا يكمن حلها بيسر وسهولة -إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية للإصلاح- في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واللذان يمثلان السبيل الأمثل للنهوض بأحوال الناس فرادى وجماعة.
فكم تنفق من أموال على المركبات السجنية المكتظة بأناس لم يقترفوا الجرائم إلا لضعف تمسكهم بالدين؟ وكم يعاني الناس من آثار الربا والزنا والمخدرات؟ وكم من الجرائم ترتكب من جراء اقتراف هذه الموبقات؟ وكم تتكبد الدولة من خسائر بسبب الاختلاسات المالية؟ وكم؟ وكم؟
إن السلوك الجيد والخلق الحسن هما في ديننا عبادة قبل أن تكون مجرد مظاهر اقتضتها ضرورة التعايش والاجتماع، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأمته أن المسلم هو: “من سلم المسلم من لسانه ويده.” كما أوضح عليه السلام أن أقرب الناس منه يوم القيامة أحاسنهم أخلاقا، وأخبر المؤمنين به أن أثقل ما يوضح في ميزانهم يوم القيامة خلق حسن، فكيف لأمة هذا هدي نبيها، تكتظ سجونها بمرتكبي الزنا وشاربي الخمر وقطاع الطرق؟
لقد أضحى من اللازم على كل من يتصدى للإصلاح أن يفكر في السبيل التي تقينا الوقوع في الجريمة، ولا يقتصر على مجرد وضع قوانين خرساء مادية تجنح إلى العقاب ولا تهتم بالتربية.
والعجيب أن نسمع أصواتا ترتفع وتطالب بإدراج دروس التربية الجنسية في الوقت الذي تطالب الأصوات نفسها بالتقليص من حصص التربية الإسلامية، فكم شقينا بمثل هؤلاء الذين لا يهمهم خلق ولا قيمة وإنما همهم المأكل والملبس والجنس والغناء والرقص، ويرفضون أن تحكم هذه الأشياء بحدود الله ويعتبرون ذلك مسا بالحرية الفردية.
إن الإسلام بما يزخر به من أحكام جمعت بين التربية القويمة والعقوبة العادلة يبقى أمثل علاج يمكننا من حل معضلاتنا الاجتماعية والسياسية، ويوقف هذا التسيب الأخلاقي الذي أصبح يسود حياة الأسرة المسلمة، والذي هو في حقيقة الأمر نتاج الثقافة العلمانية الدخيلة والمهيمنة على أغلب مؤسسات بناء شخصية المواطن كالإعلام والثقافة والتعليم والشباب والتي تدافع وتسعى جاهدة إلى استبدال المرجعية الدولية بتعاليم الإسلام الحنيف سواء على مستوى التربية أو التعليم أو الاجتماع أو التشريع.
فكيف نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.