قضية القمار..أو عندما تقتات الدولة من خراب بيوت مواطنيها إبراهيم الطالب

هل كنا في حاجة إلى حكومة نصف ملتحية حتى نناقش ملف القمار؟
وهل يحتاج القمار لبيان ما فيه من استغلال للفقراء وإتلاف لمداخيلهم القليلة، وإضرار بمن يعولون من الأطفال و النسوة؟
وهل يجب علينا أن نذكر بأن المغرب بلد مسلم ودولة مسلمة وشعب مسلم، وأن من ثوابته المذهب المالكي الذي يحرمه تحريما باتا؟
فإذا كان الجواب حتما عن هذه الأسئلة هو: لا.
فلماذا هذا اللغط؟
ولماذا لا نمر مباشرة إلى وضع استراتيجية لاجتثاثه من بنيات مجتمعنا حتى نسهم في رد الاعتبار وحفظ الكرامة لفئة لا زالت مستغلة من طرف لوبيات الفساد؟
إن القمار آفة تعمق معاناة الفقراء وتضاعف من فقرهم وعوزهم وتخلفهم. فالقائمون على شركات القمار يبيعون الوهم لفقرائنا وشبابنا، يُعوّدونهم على البطالة والركون إلى الحظ، بدل دفعهم إلى الشغل واستغلال طاقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع، ويستنزفون أرزاقهم بدل حثهم على الادخار قصد إنشاء المشاريع الصغيرة لتحسين دخلهم والتغلب على حاجتهم وعوزهم، خصوصا وأن المغرب أوشك جل مواطنيه على إحراز أماكن لهم تحت خط الفقر.
والعجب كل العجب أن تُعارض تدابير الحكومة من داخلها وليس من طرف المعارضة، الأمر الذي يبقى معه التساؤل مشروعا حول صحة ما يروج من أن حكومة الظل تحاول الحد من نجاح الحكومة المنتخبة، وتضع العراقيل أمام مشاريع الإصلاح التي تتخذها، حتى تمر الظروف التي هيأت لصعودها وكانت سببا وراء خروجها من الاضطهاد والسجون إلى المشاركة في الحكم، فتعود قوى الفساد إلى الإفساد علنا دون رقيب كسالف عهدها.
ونتساءل:
ألا يدخل القمار ضمن الفساد الذي كانت محاربته من أهم الشعارات المرفوعة التي تعاقد المواطنون مع الحكومة على أن تترجم إلى مشاريع وتدابير ملموسة على أرض الواقع؟
ربما كان للبعض رأي آخر، لكن المقطوع به هو أن القمار آفة تنخر في أسرنا التي يضطر أربابها إلى الاستدانة تلو أخرى، حتى يجبرون على بيع أثاثهم المنزلي ليتركوا أبناءهم يفترشون الأرض؛ مرضى بدون علاج جائعين معرضين لذل السؤال، وحين تتفاقم المشاكل يلجأ المدمنون على القمار إلى الطلاق وتشتيت شمل أسرهم فرارا من المعاناة ليستقبل الشارع أفواجا من المشردين والأطفال المتخلى عنهم.
فكم في الشارع من المشردين ضحايا القمار؟
وكم وراء القضبان من سجناء ضحايا إدمانه؟

فكيف يمكن القبول -والحالة هذه- أن يُسوَّغ استغلال الفئات المهمشة المقهورة ومخالفة الشريعة الإسلامية وتعطيل المذهب المالكي بدعوى أن هذه الآفة تدر على الخزينة العامة مداخيل سنوية بمليارات الدراهم، كيف نقبل هذه المليارات ثمنا لمئات الحالات من الأطفال المشردين ومئات أخرى من الجرائم المرتبطة بخراب البيوت وتفكك الأسر نتيجة إدمان أربابها للقمار؟
وهل يبقى معنى للحديث عن مشاريع الإصلاح عندما تقتات الدولة من خراب بيوت مواطنيها؟
وفي اتجاه آخر، يطيب لنا أن نتساءل أيضا أمام فظاعة آثار هذه الآفة: لماذا أولئك المغرمون بقياس طول لحى المستقيمين على الدين، أولئك الولعين بمراقبة ارتفاع حرارة الإيمان في قلوب المؤمنين، أولئك المهتمين دوما بتتبع طول قمصانهم وقصرها، لماذا لا يُجْرون بحثا أو يقيمون دراسة سوسيولوجية حول آثار القمار السلبية على الأسرة و الفرد والمجتمع؟
لكن يبقى الملفت للنظر أن القمار الذي يعد من المحرمات الشرعية القطعية، لم يُتحدث عن منع إشهاره من منطلق رد الاعتبار للشريعة الإسلامية، أو انسجاما مع فقه المذهب المالكي، بل آثر الكل أن يناقش الأمر خارج إطار الدين، تجنبا لنعيق العلمانيين المتربصين بكل رجوع إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ولو كان جزئيا، ومَهْما كان مفيدا للفرد والمجتمع، المهم ألا يتم اعتماد خطاب إسلامي في معالجة قضايا الإصلاح العامة، الأمر الذي يُظهر بقوة مدى النفوذ الذي يمتلكه العلمانيون في المغرب من جهة، ومن جهة أخرى يطرح السؤال عريضا طويلا حول معنى إسلامية الدولة، وهل لإسلامها تجليات على المستوى الاقتصادي والسياسي؟ وأين تقف حدود الفقه المالكي؟ وهل يَنسخ العملُ بالقوانين الوضعية أحكامَ المذهب ويعطلها؟

وعلى النقيض من ذلك يتطاول أحد وزراء الحكومة -وزير الشباب والرياضة محمد أوزين- مستهينا بالحلال والحرام قائلا: ” القضية ليست مسألة حلال أو حرام، لأن الحرام الحقيقي هو أن يظل عدد كبير من المغاربة معطلين عن العمل وأن لا يجد الشباب ملاعب للقرب يمارسون فيها رياضاتهم المفضلة” المساء عدد 1722.
هكذا.. ودون خجل يُخرج الوزير موبقة القمار من دائرة الحلال والحرام فتصبح غير ذات أهمية أمام الحرام الحقيقي -عنده- المتمثل في غياب ملاعب الرياضة.
ثم أليس من العيب الشنيع والذل المهين، أن يستهين وزير الرياضة بدين المغاربة وشريعتهم، بينما يبقى وزير الأوقاف ملتزما سكون القبور وصمت العاجز عن الذب عن المذهب المالكي الذي اختزله في التسليمة الواحدة، أم تراه سيلجأ إلى مشروعه “الذي يتساوق فيه الديني والسياسي” -حسب تصريحه-، والذي يبدو أنه يتسع لعبث العلمانية حتى يشمل الربا والخمر و”الشطح والردح” ولربما سيزداد اتساعا في القابل من الأيام ليشمل الزنا واللواط تأسيا ببعض الكنائس التي روضتها العلمانية في بلدان الديمقراطيات الحداثية.
إن مسؤولينا في حاجة إلى رؤية شاملة يستطيعون من خلالها التمييز بين الفاسد والصالح، وإدراك معنى الإصلاح الذي يأمل المغاربة أن يقضي على بؤر الفساد المتجذرة في بلادنا، كما أنهم بحاجة إلى شجاعة كافية لتنزيل مشاريع الإصلاح التي حتما سوف تلحق الضرر بمصالح فئات نافذة، أو لها امتداد في مربع السلطة والجاه، الأمر الذي سيدفع هذه الأخيرة إلى وضع صخور المقاومة وجبال الممانعة أمام القائمين على إرساء دعائم الإصلاح.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
ابراهيم الطالب/جريدة السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *