الحرية والتميّز عن الحيوان

عندما تفقد الأمة مرجعيتها، يضطرب كل شيء فيها، فتسود الفوضى وتلتبس المفاهيم فيصير الحق باطلا والباطل حقا، وصدق رسول الله صلى الله عيه وسلم حين تنبأ بمثل ما نحن فيه واصفا بدقة بالغة حالتنا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة” الصحيحة 1887.
ولن يصدق الكاذب ويؤتمن الخائن، ويكذب الصادق ويخون الأمين إلا إذا اختلت الموازين والتبست المفاهيم وتلاشت منظومة القيم لأن الكذب والخيانة خلقان مذمومان يحدثان اضطرابا في المعاملات ويخلان باستقرار العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الناس، ولا يحظى صاحبهما في المجتمع بالاحترام إلا إذا عمت الفوضى وفقدت معايير الحكم الصحيح المبني على الحق والعدل بمفهومهما الأصيل قبل أن تعبث بهما ثقافة النسبية، وقيم الحداثة المادية التي تسوي بين الفاسق والتقي وبين الكافر والمسلم، وبين الضلال والهدى، بناء على فلسفات مادية لا تعترف لهذا الوجود برب ولا إله.
ولقد كان من آثار اضطراب المفاهيم وتلاشي منظومة القيم هذه الجرأة التي أصبح العلمانيون يتعاملون بها مع قيم المغاربة الدينية، والمتمثلة في الدعوة جهارا إلى الرذيلة والفاحشة، والطعن في الدين والثوابت.
إن جرأة العلمانيين هذه ليست من قبيل دفاعهم عن سلوكياتهم الهابطة المتحررة من حدود الله فقط، ولكنها أيضا محاولة للإفساد المتعمد لأخلاق المسلمين من أبناء المغاربة ومحاربة منهم لخلق الحياء تطبيعا للفواحش في المجتمع المغربي حتى تصير أمرا مقبولا، في غفلة شبه كاملة من المسؤولين عن المؤسسات المكلفة بحماية الأخلاق والمفترض فيها أنها أنشئت للقيام بواجبها الرقابي، وذلك خوفا من أن يتهمهم أدعياء حرية التعبير الذين لا يجيدون هذه الحرية إلا في مهاجمة المقدسات الدينية بالجمود والتزمت ومجاراة الإسلاميين.
إن العلمانيين لا يعترفون للشرع والأخلاق بقيمة، ولا يهمهم إن خالفوا تعاليم الإسلام أم وافقوها مادام ما ينشرونه من فحش وعري وفسق يخدم برنامجهم في تبيئة المجتمع المغربي حتى يقبل بالعلمانية الشاملة وينبذ ما تبقى من تعاليم الإسلام، هذا الدين الذي وقف منذ قرون كثيرة في وجه من يبيعون للناس اللذة مقابل المنفعة المادية دون اكتراث بعواقب جرائمهم، ومن رحمة الله بنا أن أرسل إلينا رسولا يبين لنا خطط من يتخذون من الشهوات منهجا لتغيير المجتمع الإسلامي وإخضاعه لسيطرتهم، فكان مما حذرنا به ربنا سبحانه قوله الكريم: “وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً” سورة النساء27.
وبالرجوع إلى الواقع نرى أن أبناءنا وبناتنا فعلا مالوا ميلا عظيما، فلم يعد كثير منهم يقيم للدين وزنا، نظرا لتطور وسائل الإغراء التي يستعملها الذين يتخذون من الشهوات منهجا اقتصاديا يديرون به قطاعا متشعبا ينتجون فيه أنواع اللذة المحرمة من خمر ومخدرات ودعارة وشذوذ وزنا وسياحة جنسية..إلى غير ذلك من الموبقات التي ما كانت لتهيمن على سلوكيات المجتمع المغربي لولا وجود من يرفع شعارات الحرية الفردية المتسيبة التي صيرت شبابنا بليدي الإحساس قليلي الالتزام بدينهم حتى كان منهم من يعبد الشيطان، ويقترف الشذوذ ويدافع عنه.
إن العلمانية من حيث هي منهج مبني على فلسفات مادية إلحادية لا تعترف بالله سبحانه تقف دائما موقف العدو لأي خطاب للدولة مبني على أساس التعاليم الإلهية خصوصا إذا تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد.
وأهم ما ارتكزت عليه العلمانية هو نفي الغائية عند الإنسان، فاعتبرت أن الإيمان بأن للعالم هدفا وغاية تتجاوز الحركة المادية المباشرة هو إيمان بالميتافزيقا مخالف للعقلانية ومقيد لحرية الإنسان التي لن يستطيع أن يبدع أو ينتج بدونها.
هذه الحرية المنفلتة من كل قيد ديني جعلت الإنسان من الناحية السلوكية أشبه ما يكون بالحيوان أو أقل منه في بعض الأحيان، فكان أن وجد في البشر من يمشي عاريا كما ولدته أمه ليس في أدغال إفريقيا ولكن في العواصم الأوربية مهد العلمانية، مطالبين في حقهم في العيش مجردين من اللباس عيش الحيوانات.
إن عقلا يجعل من هذا السلوك حرية شخصية لهو عقل حيواني لا يدرك الكون بعقله وإنما يتعامل معه عبر جوارحه التي يتذوق به الشهوات، لهذا شبه الله الكفار الذين ينكرون حدود الدين ويجحدون رسالات الأنبياء بالحيوانات في طريقة تمتعهم بالملذات وإشباع رغباتهم من أكل وشرب فقال سبحانه: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ” سورة محمد 12.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *