صورة الإنسان الأوربي أو الغربي بصفة عامة في مخيلة المسلم يمثلها ذلك المخلوق الرقيق ذو البشرة البيضاء والشعر الأشقر، المالك لناصية العلم والتقدم، المبشر بالديمقراطية والمحبة والتعايش، هكذا رُسمت صورته في مخيلة الشعوب الإسلامية، حتى صرنا نسمع ونرى على الشاشة دمار الحرب التي يشعلها الغربي في بلاد الإسلام ولا تؤثر فينا لأننا سرعان ما نرى منظمات الصليب الأحمر والمنظمات الخيرية تساعد المصابين وتسعف الجرحى وتجمع أشلاء أطفالنا من طرقاتنا، فتعلو دعاوى التعايش والمحبة أصوات البنادق والمدافع، فتنطفئ جمرة الغيظ ويتيه العقل ويحار: من يقتل؟ ومن يداوي؟ من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟
إن العقل الأوربي الذي عانى قرونا متتالية من الهزائم أمام الجيوش الإسلامية يعلم يقينا كم كلفته حروبه من أجل إسقاط الخلافة الإسلامية، كما يعلم قادته وعقوله المدبرة خطورة أن يعود الحكم بالشريعة الإسلامية في البلدان المسلمة.
لذا تراه يبذل الجهد الجهيد لمؤازرة كل ما من شأنه أن يحول دون انتشار الإسلام الواعي بنفسه العارف لقدره ووظيفته، فهو عندما يشجع الخرافة والبدع والتيارات الماجنة والأفلام ويساعد المنظمات والجمعيات العلمانية التي أصبحت تنبت في بلاد الإسلام كالفطريات وتتناسل كالفئران، يقوم بذلك إيمانا منه بأهمية الأفكار واقتناعا منه بكون المعارك العسكرية تحدد نتائجها سلفا المعارك الفكرية.
فتراه يُسخِّر في سبيل هيمنته على البلدان الإسلامية مراكز دراساته ومنظماته وجامعاته لإنتاج وصناعة الفكر قبل شركات إنتاج وصناعة القتل، فتقارير “راند”، ونظريات صدام الحضارات والنبوءات المتعلقة بالسياسة، وراديو “سوا” ومساعداته المالية للقنوات التي تروج ثقافته، وحرصه على تعديل البرامج والمقررات التعليمية في البلدان الإسلامية، وفتح قنوات مع النخبة في البلدان الإسلامية وتنظيم لقاءات في السفارات بين الطلاب ومن يدافع عن قيمه ويروج لوجهه المزركش بصباغات التعايش والتسامح الوردية، كل ذلك -وغيره كثير- هو من أسلحة الحرب الفكرية.
أما الوجه الحقيقي للغرب والذي ينسجم مع سلوكه الحربي العدائي كما هو على أرض الواقع، فيتمظهر من حين لآخر في صور عداء سافر:
– فمن ذلك قيام مائتي جامعة أمريكية بتنظيم أسبوع سمته: (أسبوع الوعي بالفاشية الإسلامية) من 22 وإلى يوم 26 أكتوبر الماضي. والذي يقف وراء تنظيم أسبوع الكراهية والتحريض ضد الإسلام والمسلمين في الجامعات الأمريكية هو واحد من مثقفي أمريكا “ديفيد هورويتز”، مؤلف كتاب (فن الصراع السياسي).
مما دفع بمنظمة الإيسيسكو إلى التنديد بهذا العمل، موضحة أن هذه الحملة العدائية التي نظمتها جامعات أمريكية، والتي من المفترض فيها أن تكون معاقل للعلم والمعرفة، تعبّر عن تنامي تيار “الإرهاب الفكري” والثقافي في مجتمع النخبة والأوساط الأكاديمية الأمريكية، وتترجم تأثير تغلغل أفكار المحافظين الجدد التي لا تخدم مصالح الشعب الأمريكي.
– ومن ذلك أيضا، إعلان “الفاتيكان” رفضه لدعوة الحوار التي وجهها عدد من الشخصيات الإسلامية، وذلك بسبب إيمان المسلمين بأن القرآن الكريم كلام الله عز وجل، حيث صرح الكاردينال “جان لويس توران” المسؤول المختص بشؤون الإسلام في الفاتيكان: “من الصعب إجراء حوار ديني حقيقي مع المسلمين لأنهم يعتبرون أن القرآن هو الكلام النصي لله ولا يناقشوه بعمق”.
وأضاف “توران” في مقابلة مع صحيفة “لاكروا” الكاثوليكية الفرنسية اليومية قوله: “إنه سيتعين على المسيحيين مناقشة القيود المفروضة على بناء الكنائس في العالم الإسلامي”، على حد زعمه، في الحوار الذي نادى به 138 شخصية مسلمة.
– ومن ذلك رفض فرنسا مجرد الاعتذار عن تقتيل أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين في الجزائر.
– ومن ذلك إعلان الرئيس الأمريكي عقب أحداث 11 شتنبر أنه سيقود حربا صليبية مقدسة ضد المسلمين.
– ومن ذلك شن الحروب على الدول الإسلامية بدون وجه حق كما في حالة العراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين وما سبق ذلك من احتلال عسكري لكل البلاد الإسلامية خلال القرنين الثامن عشر والعشرين.
كل هذه الحقائق تثبت للمتأمل أن الغرب لم يدع سلاحه منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، إلا أن الفرق بين حربه بالأمس وحربه اليوم، أنه كان بالأمس يقود الحروب الصليبية يحمس فيها الرهبان والقساوسة الجنود للفتك بالمسلمين، واليوم يشعل الحروب وينشر الدمار ويقوم فينا زعماؤه خطباء ينشدون السلام ويوهمون المواطنين الذين دكت بيوتهم أن أبناءهم ونساءهم مزقوا وتناثروا في أزقة فلسطين والعراق وأفغانستان من أجل السلام والديمقراطية، هكذا يقول زعماء الغرب، وهكذا يبلغنا عنه علمانيونا.
إن الحقيقة أنصع من أن تواريها كلمات تسندها المدفعية والصواريخ والبوارج الحربية، فعبثا يحاول البعض إخفاء حمرة الدماء ببياض غبار الطبشور الذي يتساقط من أيدي المدرسين في مؤسسات التعليم في المغرب وغيره من بلاد المسلمين، وهم يشرحون دروس التسامح والتعايش وقبول الآخر، حسب التعديل الذي طرأ على مقررات التعليم استجابة لتوصيات أو أوامر الإنسان الأورو-أمريكي.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم