لماذا يتعسف العلمانيون في التمييز بين حجاب الاستمرار وحجاب البعث؟

لا يجد الكثير ممن يغضبهم رجوع المغاربة الذين يقتفون أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مناصا من أن ينكروا أحكاما معلومة من الدين بالضرورة بدافع العداء والامتعاض، ويلجؤون إلى تحريف معاني متون القرآن والسنة، وإلى تزوير أحداث التاريخ وشواهده، نصرا لمواقفهم الإيديولوجية، وتعصبا لقناعاتهم الفكرية، وهو الأمر الذي لم يتخلف فيما نشر في الجرائد العلمانية من مقالات واستجوابات وبيانات وردود فعل إثر قضية فتوى تحريم التسوق من المحلات التي تبيع الخمور.

المنهج نفسه سلكه العلمانيون مع قضية جواز تزويج الصغيرة، وقضية تسونامي، ومع خطبة العري على الشواطئ والاختلاط في الإدارات، ومع ردود الفعل ضد اللواط في القصر الكبير، وفي كل القضايا التي يشارك في مناقشتها أو يتدخل فيها الدعاة أو العلماء وتحمل في طياتها مساسا بمشروعهم العلماني المستورد، فبمجرد صدور رأي أو فتوى أو حتى مقال مناقض لأساس من أسس العلمانيين، تراهم يتنادون مصبحين وممسين أن حاصروا المسلمين واحموا مشروعكم إن كنتم للعلمانية معتنقين، ولِلتّوِّ يسمع كل مغربي جعجعتهم، ولا يرى إلا هويته ودينه طحينا.
لكن القضية التي لا يمل العلمانيون من الجعجعة ولا من الإرغاء والإزباد والإطناب في تناولها هي قضية حجاب المرأة وما ذلك -في رأينا- إلا لأمرين:
أولهما: الحجاب نفسه، وذلك لأنه يحمل هوية الفتاة الإسلامية ويميزها عن غيرها، ويحيل على مرجعية تشريعية ربانية، تناقض المرجعية العلمانية، ويضمن استمرار معاني الطهر والعفة، ودلالات البراءة من الفسق والتهتك، ويشيع ثقافة الالتزام بالدين في زمن الفساد والانحلال، ويدعم معارضة الأنموذج الغربي للمرأة، ويحارب هيمنة التصور العلماني للمرأة “الحداثية” الثائرة على الدين والتقاليد..
أما ثانيهما: فالمرأة نفسها، لأن المرأة هي نصف المجتمع أي بالمعنى الاقتصادي نصف عدد المستهلكين، ففي حال شيوع الحجاب الشرعي بثقافته ودلالاته الشرعية، تصبح ملايين المحجبات وكأنهن يقمن بمقاطعة اقتصادية فعلية ومنضبطة لأغلب ما تنتجه شركات الموضة، فضلا عن امتناعهن عن استهلاك الكثير مما تقدمه أماكن وميادين ومحلات صناعة الشهوات المحرمة، كالمسابح والشواطئ والفنادق الماجنة والحانات وقاعات الرقص والقمار والدعارة..، وهذا يجعل المرأة/نصف المجتمع خارجة عن نفوذ استغلال “لوبيات” الإفساد، الأمر الذي يفوت عليهم الملايير من الدراهم سنويا.
والأهم من كل ما ذكر هو أن المحجبة عن تدينٍ واعتقادٍ لن تتزوج إلا من ملتزم بالدين مثلها أو أفضل منها، فتؤسس إلى جانبه أسرة تعيد إنتاج القيم الإسلامية من جديد، وتمررها في يُسر إلى الأجيال القادمة الملتزمة عن وعي واعتقاد وإدراكٍ لحقيقة الصراع بين العلمانية والإسلام، الشيء الذي يعتبره العلمانيون أهم العقبات التي تقف دون هيمنة العلمانية في المغرب بل في العالم الإسلامي، ومن ثم كان نعتهم للحجاب الشرعي بـ”السياسي والإديولوجي”، ليدخلوه ساحة الحروب السياسية المدنسة ويتفلتوا من تهمة معاداة الشريعة الإسلامية المقدسة.
إن هذه النظرة المادية العدائية للمرأة والحجاب الشرعي هي التي تدفع العلمانيين إلى إجراء تمييز تعسفي بين حجاب الاستمرار وحجاب البعث، فيدعون أن الحجاب والنقاب ليسا من الشريعة الإسلامية بل هما وليدا الثورة الخمينية الصفوية والحرب السوفيتية على بلاد الأفغان، وأنه لا علاقة لهما بالحايك والجلباب المغربيين، وذلك حتى يقطعوا الصلة بينهما وبين الشرع من جهة، وبينهما وبين التاريخ والمجتمع المغربي من جهة ثانية، ومن ثم يفقدان الشرعية والحصانة فتسهل حربهما دون التعرض إلى تهمة معاداة الشريعة أو محاربة الهوية المغربية.
متناسين أنه منذ دخول الإسلام إلى المغرب انضبط نساؤه بالشروط الثمانية للباس الشرعي، فلباس أمهاتنا وجداتنا سواء كان حايكا أو جلبابا أو ملحفة صحراوية هو استمرار للعمل بالحجاب الشرعي الذي يهتم بالشروط، ويغفل الشكل مادام لا يخالف الشرع والعرف المنضبط، في حين يبقى ارتداء المرأة للحجاب والنقاب المعاصرين بمثابة باعث للالتزام بتعاليم اللباس الشرعي في الأمة بعد عقود التغريب والعلمنة.
إذًا نحن في حاجة إلى علمائنا والغيورين من كتابنا ومثقفينا ليجردوا قضية المرأة وحجابها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وتلبيس السياسيين، وإغراء الشهوانيين، وتزيين المتربصين من دعاة العلمانية وسدنة أصنامها في الداخل والخارج.
إن العلمانيين من خلال هجوماتهم المتتالية على الشريعة الإسلامية وأحكامها الربانية الرفيعة إنما يريدون أن ينزعوا روح الشعب المغربي الأبي من جسده، هذه الروح التي كانت منذ أن عرف رسالة الله إليه القوة المانعة له من الاضمحلال، والعنصر المؤلف بين مختلف مكوناته الاجتماعية على اختلاف خصائصها، هذه الروح كانت هي القرآن الكريم، بهديه وأحكامه ونوره، وذلك مصداقا لقول ربنا عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}الشورى.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *