كـلمة العــدد

يعيش المسلمون في هذه الأيام محنا كثيرة متنوعة، تتراوح بين التجويع والتقتيل، فقنابل الأمريكان وصواريخهم تمطر أرض العراق المسلم، فتدك على النساء والأطفال بيوتهم، وقنابل اليهود الصهاينة، وصواريخهم تنهال على دور ومدارس لبنان وفلسطين فتمزق أجساد أبنائنا ونسائنا أشلاء متناثرة.
لقد تلطخ وجه صنم الحرية بدماء الفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والعراقيين، وأزيح القناع عن حقيقة الوظيفة الموكلة للأمم المتحدة، وأصبح المسلمون يشككون في مدى جدوى عضوية بلدانهم فيها، فهي لم تكفل لهم أمنا ولم تُرجع لهم حقا، بل استمرت في رعاية مصالح الدول المستعمرة التي أنشأتها بغرض تدجين الحكومات الإسلامية، وفرض الشرعية الدولية على الأنظمة المسلمة بدل الشريعة الإلهية.
إن أغلب الأنظمة العربية قد استسلمت للأمر الواقع ورضيت إما بالتطبيع المباشر أو غير المباشر إما بسبب إفلاس اقتصاداتها المتدهورة، أو اهتراء أنظمتها المتلاشية، أو إكرهات نزاعاتها الإقليمية، فقد تعددت الأسباب والتطبيع واحد.
لقد بات الأمر لا يحتاج إلى فطنة أو ذكاء حتى يكشف، فقد صرح القوم أنهم يريدون شرقا أوسط كبيرا، فلقد مر على “سايس-بيكو” أمد كبير تغيرت خلاله موازين القوى، مما جعل إعادة تقسيم بلداننا تقسيما يتوافق مع أطماع الدولة الاستعمارية الجديدة أمرا ضروريا ولازما وإن تطلب الأمر شن حروب لا آخر لها ما دام الغرب نفسه من يصنع الأسلحة التي سنتقاتل معه بها، مما يجعله الرابح دائما في حالتي السلم والحرب.
والعجيب في أمرنا، أننا رغم العداء السافر الذي يبديه الغرب ضدنا إلا أننا مازلنا نعتبره صديقا ونلجأ إليه حتى في نزاعاتنا العربية.
أليس هذا الغرب هو من صنع الكيان الصهيوني في قلب أمتنا؟
أليس هذا الغرب هو من استنزف خيراتنا طيلة قرن من الزمن قتل خلاله الأبناء وهتك الأعراض وسفك الدماء وما زال؟
أليس هذا الغرب هو من يستعمل في كل مرة حق الفيتو الذي أعطاه لنفسه وحرمنا منه، لحماية الكيان الصهيوني من أي قرار لمجلس الأمن ولو حتى بالإدانة؟
أليس هذا الغرب هو من صوت أعضاء كونجريس بلاده إلا ثمانية منهم لصالح تقتيل الأطفال اللبنانيين؟
ألم يئن الأوان حتى نستوعب أن الأمم المتحدة لا تهم إلا أمم الغرب، وأن مجلس الأمن لا يسهر إلا على أمن أوربا وأمريكا والكيان الصهيوني، أما بالنسبة لنا فهو مجلس خوف ودمار وهلاك؟
أين السلام الذي يبشرنا به علمانيونا من لدن السادات إلى كتاب الجرائد العلمانية المأجورة في كل بقاع الأمة الإسلامية؟
أين ثقافة حقوق الإنسان التي يجبرنا علمانيونا أن نعتنقها بدل عقيدة الولاء والبراء؟
أين حداثة الغرب المتمدن في العراق وفلسطين ولبنان؟
أين المواثيق الدولية التي أخضعنا شريعتنا لها، من سيفرض على الكيان الصهيوني أن ينصاع إليها؟
من سيحاسب أمريكا ويطبق عليها القانون الدولي على ما تقترفه كل يوم في العراق المسلم؟
من سيفرض على الغرب الحصار الاقتصادي إذا لم يمتثل للشرعية الدولية؟
أين من يحارب فينا العنف والكراهية ويرفع عقيرته صباح مساء بشعارات الانفتاح ونبذ التعصب؟
أين من يصور لنا الغرب منقذا وعونا وسندا؟
لماذا خسأ وتوارى عن الأنظار كل أولائك الذين بشرونا بالأمس القريب بصداقة الغرب وحبه لنا، ونيته الطيبة في تمديننا ومساعدتنا على الخروج من قمقم التخلف إلى حياة الازدهار والتقدم؟
ألا يكفي هؤلاء العلمانيين كل هذه الشواهد؟ أم أنهم يأملون أن يروا الجنود الأمريكان في كل ربوع الأمة الإسلامية حتى يقضوا بالنيابة عنهم على الرجعيين الإسلاميين فتقفل المساجد وتحوّل إلى مسارح ودور للسينما؟
إن طَمَعَنا في صداقة الغرب كطمع الحمل في صداقة الذئب، وذلك لكون تقدمهم وازدهارهم ورفعتهم رهين بتخلفنا وتأخرنا وذلنا، وإلا لماذا يحرموننا من تملك السلاح النووي، ولماذا يكرهون الحكومات حتى لا تستثمر في البحث العلمي، ولماذا لا يستثمرون في بلادنا إلا في القطاعات التي تنشر الانحلال وتهدم القيم وتنمي فينا شراهة الاستهلاك.
إن المتأمل للفرق الزمني بين تاريخ الثورة الفرنسية 1789م وتاريخ الحملــــة الفرنسية على مصر 1798م -تسع سنوات- يعلم حقيقة مبادئ الثورة الفرنسية، إذ لم يكن بعد قد جف مداد شعارات الثورة حتى سالت دماء المسلمين المصريين على أيدي الغزاة الفرنسيين.
وأخيرا نقول: إن التاريخ والواقع وكتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تقرر حقيقة واحدة تضطرد ولا تتخلف ألا وهي: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة.
فعندما اتبعنا أهواءهم وتركنا هدى الله خسرنا ولاية الله سبحانه لنا ونصره، وليتدبر الآية الكريمة كل مسلم الصادق ينكشف له سبب الخذلان والهزائم المتكررة للمسلمين على كل الجبهات.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

السبيل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *