تواطؤ الدول الغربية ومنظمة الأمم المتحدة من أجل إخضاع العالم الإسلامي

في الوقت الذي تفشل فيه منظمة الأمم المتحدة في نشر الأمن، ومنع اندلاع الحروب والحد من أسبابها، نجدها في الآن ذاته تحقق النجاح تلو النجاح على المستوى “الاجتماعي” و”الثقافي”، نجاح تحرزه بالقوة عبر مؤتمراتها خصوصا تلك المستهدفة للمرأة وحقوق الإنسان، فارضة نظرة أحادية سمتها زورا بالكونية، حقوق للمرأة والطفل والإنسان، صاغها الغرب وفق ما هو متعارف عليه في بلاده العلمانية، ووفر لها القوة المادية والدبلوماسية والسياسية، مشفوعة دوما بالضغوطات التي تمارسها منظماته على الدول الإسلامية، مستغلة ضعف هذه الدول وعجزها عن إحداث أي تنمية مستقلة عن ماله وخبرته.
ومع صعوبة التفسير العظم التدليس، إلا أنه يمكننا أن نجمل الأسباب الكامنة وراء فشل الأمم المتحدة في تحقيق الأمن، ونجاحها على المستويين الثقافي والاجتماعي في أمرين رئيسين:
أولهما: إصرار دول الغرب الإمبريالي على استمرار هيمنتها على الدول الإسلامية.
ثانيهما: الحيلولة دون رجوع الإسلام إلى سدة الحكم في البلدان الإسلامية.
فالمتتبع لما تصدره الأمم المتحدة من توصيات وقوانين ولوائح ومعاهدات واتفاقيات، لا تخرج في حقيقتها ومآلات تطبيقاتها عن خدمة الأمرين أو الهدفين المشار إليهما أعلاه، بحيث تبقى كلها -أي الاتفاقيات- آليات لتحقيق أطماع الدول الغربية الكبرى المتنوعة والمتجددة باستمرار.
إن فشل الأمم المتحدة في منع حدوث الحروب مع خضوع المنظمة لهيمنة وتسيير دول غربية قوية عسكريا، غالبا ما تكون طرفا أو محركا رئيسا لكل تلك الحروب، بالإضافة إلى استئثار هذه الدول بحق النقض عن بقية دول العالم، يدفعنا إلى القول بأن هذا الفشل هو فشل استراتيجي متعمد وموجه يقصد به -فضلا عن مداخيل تجارة الأسلحة وتجريبها- إرهاب حكومات الدول الفقيرة الضعيفة، للاستجابة اللامشروطة لخطط الغرب من أجل استمرار استغلاله لدول العالم الفقيرة من جهة، ولضمان أمن ومصالح الكيان الصهيوني: الحليف الرئيس والشريك المثالي في كل مشاريع الفساد والإفساد المستهدفة لدول وشعوب المسلمين.
لقد استطاعت الدول الغربية من خلال الأمم المتحدة كسب كل المعارك ضد أمتنا، فالتواطؤ الدائم بينهُما مكَّن الأولى من إقامة الكيان الصهيوني في قلب الدول الإسلامية فكان أول قرار للأمم المتحدة هو الاعتراف به دولة كاملة السيادة لا زالت تعيث في الأرض فسادا دون أن تستطيع الأمم المتحدة ولا الدول الغربية كفها ولا حتى تهديدها بله معاقبتها.
والتواطؤ نفسه سمح للدول الغربية بتصفية نظمها “الاستعمارية” الاستخرابية في الدول الإسلامية بالشكل الذي حافظ لها على استمرارية نفوذها الاقتصادي وتأثيرها على القرار السياسي فيها.
فبعد تصفية “الاستعمار”/الاستخراب وتمكين الدول المستضعفة من حق تقرير المصير الوهمي، انتقلت دول الغرب من الإدارة المباشرة للدول الإسلامية إلى شن الحروب عليها والتدخل فيها تارة بمصادقة الأمم المتحدة نفسها أو بالتواطؤ معها، فحرب روسيا على الشيشان مستمرة إلى اليوم ولم تتوقف رغم الإبادات الجماعية التي تعرض لها شعب الشيشان المسلم، ورغم أن ميزانية روسيا الضعيفة لا تتحمل مصاريف أسبوع من الحرب الأمر الذي لم يكن ليستمر دون مساعدة الأمم المتحدة ضد بقية دول العالم المستضعفة.
التواطؤ نفسه بالنسبة لحروب الصومال والبوسنة وأفغانستان فالمذابح والمجازر والإبادات كلها التي عرفتها هذه الدول كانت تحت أنظار المنظمة الدولية والدول الغربية، الرافضة دوما لقيام دولة إسلامية فيها، لذلك شجعت في الخفاء بالسلاح والدعم الاستخباراتي، مكتفية في العلن بعبارات الشجب الجوفاء، للمزيد من التضليل لشعوب العالم كافة والعالم الإسلامي على وجه الخصوص.
ومرة أخرى تنكشف الخطط الغربية ويبلغ التواطؤ ذروته خلال حروب العراق التي كانت فاضحة لحقيقة الغرب ومنظماته حيث قدمت الدليل على أن المنظمات الدولية إنما هي في الحقيقة مؤسسات غربية أنشأتها دول الغرب لتحكم عبرها العالم.
وما يُقال عن مواقف الأمم المتحدة الفعلية المباشرة وغير المباشرة أثناء الحروب بغض النظر عن خطاباتها التسكينية الجوفاء عن السلم والسلام العالميين، يقال عن مشاريعها الاجتماعية والثقافية إنه التواطؤ المستمر على عالم إسلامي مسكين كان قبل قرن من الزمن يحكم قرابة ثلاث قارات بما فيها أجزاء مهمة من أوربا.
لكن ما يثير الشفقة هو أن هذا التواطؤ رغم وضوحه لا يحرك الهمم في تجاه تبين مواقف مشرفة من الدول الغربية ومنظماتها، وذلك لاستشراء الفساد في أغلب الأنظمة في العالم الإسلامي، هذا الفساد يستغله الغرب بشكل فج قبيح في إعادة صياغة عقول الشعوب الإسلامية بكيفية تتقبل معها نظمه العلمانية كسرا لقوة الممانعة، وتحطيما لعقيدة الولاء والبراء التي كانت دوما أهم شروط القوة لدى الشعوب الإسلامية، ففساد الحكومات وضعف الدول الاقتصادي ووجود المنافحين عن العلمانية في البلدان الإسلامية، وإقصاء الشريعة الإسلامية فسح المجال للمضي قدما في إحداث “إصلاحات” اجتماعية وثقافية وسياسية ومالية، لا تخرج عما وضعته الدول الإمبريالية الغربية من مشاريع تكرس هيمنتها على مقدرات وشعوب الدول الإسلامية.
هذه الإصلاحات تأتينا دوما في شكل توصيات لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أو في شكل مساومات لمنحنا قروضا غالبا ما تتدحرج لتستقر في جيوب الفاسدين، أو تأتينا لتقرع آذاننا في هيأة تقارير دولية تأخذ الصفة الأممية لكونها تتضمن أختام وتوقيع الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بينما يصوغها دهاقنة السياسة الغربية للهيمنة على دول العالم.
فهل آن لنا أن نتأمل في كلام ربنا من أجل تلمس المخرج من بيت العنكبوت، ونستمع إلى تحذيراته علَّنا ننفض عن قلوبنا الوهن:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}آل عمران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *