كفى من التسيب!

مرة أخرى نطرق موضوع الصحافة الوطنية، والدافع لنا إلى تكرار الكلام هو هذا الانحراف الخطير على مستوى نشر الصور المخلة بالحياء، فالمتصفح لما تنشره الصحف والمجلات الوطنية منها والمستوردة يتيقن أن المشهد الإعلامي يعرف فوضى عارمة وتسيبا لم يشهد المغرب له مثيلا، وكأننا في بلاد ليبرالية حررت كل قطاعاتها العمومية، وتنصلت من كل دين أو قيمة.

صور للعري الفاحش وصلت حد المجون والعهر، صور لنساء عرايا بالكامل، وأجساد بعضها فوق بعض في صور للفاحشة، فضلا عن اللحوم البشرية العارية المنشورة في الصفحات الأولى لمجلات وجرائد تخاطب النصف الأسفل لقرائها وكأن أدمغتهم قد راوحت جماجمها واستقرت تحت الأحزمة.
يتساءل من بقي له حاجة في قيم هذا البلد هل ما يزال قطاع الإعلام تحت رقابة الدولة؟
وما تفسير كل التناقضات الصارخة في ملفات المتابعات القضائية التي حركتها النيابة العامة؟ ففي الوقت الذي تتابع فيه جريدة بتهمة التشهير بوكلاء للملك ويحكم عليها بغرامة تجاوزت 600 مليون سنتيما نافدة، هذا في الوقت الذي يعفى عن الكثير من الصحف التي تنشر استهزاء بالدين ومعتقدات المغاربة ومقدساتهم، وتغرق السوق الإعلامية بالملايين من نسخ الصور الخليعة المخالفة للشرع والقانون.
يبدو من خلال التناقضات أن المغرب يعيش حالة من الاضطراب على مستوى تحديد المرجعية التي يصدر عنها فبعد القطع مع سياسة العهد القديم وتبني دعم الحريات وحمايتها في العهد الجديد، أصبح المغاربة قلقين على مستقبل دينهم ومقومات هويتهم من هذه التهديدات التي تقوم بها وسائل الإعلام العلمانية، والتي لم تترك ثابتا من ثوابتنا إلى واستهزأت به في صورة لحياد الدولة يعطي الانطباع أن من يهمهم الأمر بدأوا يفصلون بشكل واضح بين حماية الملة والدين وحماية هيبة الدولة.
لقد كانت حماية الملة والدين منذ صار للمغرب دولة جزءً لا يتجزأ من حماية هيبة الدولة وفرض سيادتها، بينما اليوم بدأت حماية الدين بفعل هيمنة المفاهيم الغربية تعرف تهاونا من طرف المسؤولين، تجنبا للإصطدام مع دعاة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وتكفي هذه العبارة: ” كما هو متعارف عليها دوليا” لضرب أية خصوصية أو قيمة أو مقوم للملة والدين.
فحرية الصحافة مثلا كما هو متعارف عليها دوليا تبيح نشر الصور العارية، كما تبيح إنشاء القنوات والمواقع الإباحية، بينما حرية الصحافة المنضبطة بشريعة الإسلام تمنع من نشر صور العري والمجون، فضلا عن الترويج للفاحشة.
إن على من يهمهم استقرار المغرب أن يضبطوا هذا التسيب الذي لا يزيد بمرور الأيام إلا استفحالا، فإلى أين يقودنا دعاة الرذيلة ومنتجو الشهوات؟
إن اسم المغرب يتردد كثيرا في أغلب عمليات العنف التي وقعت في العالم، مما ينبئ أن هناك مدا للتطرف يزيد طوله يوما بعد يوم، يجد في التسيب الحاصل على جميع المستويات في المغرب ما يستقطب به عقول الساذجين من الذين تتحرك قلوبهم لحماية الإسلام في المغرب.
وما ذكرناه ليس من قبيل التخويف بل هو عين الواقعية والعقلانية التي يتشدق بها العلمانيون، إذ لا يمكن أن نغفل واقع جنوح الكثير من الشباب إلى الالتزام بتعاليم الاسلام، وامتعاضهم من الطريقة التي تساس بها الأمور في المواضيع ذات الصلة بالتدين.
فبدل أن تترك الدولة للعلمانيين الحبل على الغارب يعيثون فسادا في البلاد، بدعواتهم الماجنة المنحلة من كل قيمة أو دين، نرى أن عليها أن تتدخل لضبط كل المجالات بشكل يتوافق مع كونها دولة إسلامية وأن تجد لها تفسيرا لحقوق الإنسان يتماشى مع مقومات دينها ولا يتناقض مع هويتها الإسلامية.
فكيف نقبل بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا وهي بهذا القيد تعتبر الحدود الشرعية التي نص عليها كتاب ربنا وأمرت بها سنة نبينا عقوبات وحشية لا يجوز العمل بها؟
إن ما يعاني منه المغرب من معضلات اجتماعية لها ارتباط بالأخلاق بالدرجة الأولى، كالإجهاض والأطفال المتخلى عنهم والزنا والدعارة والشذوذ والرشوة وخيانة الأمانة..يجعل من اللازم الضروري أن نفسح المجال أمام ديننا بكل قيمه ليؤطر كل المجالات ما دامت العلمانية وما يشابهها قد أظهرت عجزها التام في الإصلاح.
ثم كلمة أخيرة نهمس بها في آذان الصادقين ممن يشتغلون في محاربة مثل تلك الآفات الخلقية الخطيرة فنقول: معلوم لدى الجميع أن الإسلام لمَّا جاء وجد البشرية وقد وصلت إلى أشد ما يكون وضاعة وذلا على مستوى الأخلاق، فاستطاع بفضل منظومته الأخلاقية الربانية الفريدة أن يعالج كل الأمراض، وما دمنا في بلد مسلم فعلينا أن نستفيد مما يوفره ديننا من أساليب في تصحيح ما اعوج من السلوكيات وانحرف من الأخلاق، ولنقلل من حدة الإحساس بالنقص والضعف الذي يستولي علينا أمام الإنسان الأوربي والأمريكي، ولنخرج من هذا التقليد الأعمى الذي يجعلنا عالة على الغرب فكلما أردنا أن نعالج مشكلة من مشاكلنا إلى واستنسخنا ما أنتجه عقله.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *