عندما سئل كريم البخاري في كرسي اعتراف جريدة المساء: “ما هو الانطباع الذي خرجت به من اللقاء الذي جمعك أنت وأحمد رضا بنشمسي بفؤاد عالي الهمة؟ أجاب:
“فهمت أن الهمة من أقرب المقربين إلى الملك محمد السادس، وأن محاربة التوجه الإسلامي من أهم ما يشغله” المساء عدد 2118.
كان هذا اللقاء قبل ما سمي بالربيع العربي، وقبل أن يعتزل الهمة السياسة المكشوفة ويتولى مهمة مستشار بالديوان الملكي، لكن ما أخبر به البخاري لم ينقطع بل ظل يحكم سلوك ومواقف حزب الأصالة والمعاصرة، الذي ما فتئ قادته يعلنونها دون تخَفٍ مصرحين ملء أفواههم أنهم جاؤوا لمحاربة الإسلاميين.
واليوم ينضاف إلى حزب الأصالة والمعاصرة حزبان آخران هما حزبا الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، فبعد تقديم خمسة وزراء استقالاتهم من حكومة عبد الإله بن كيران وحتى قبل أن يرفع هذا الأخير أمر الاستقالات إلى الملك ليبث فيها طبقا للفصل 47 من الدستور، هرول الحزبان إلى الاجتماع أمس الاثنين وتدارسا فيه ما يجري في المنطقة وأعلنا للمغاربة -حسب ما جاء في البيان المشترك بينهما- أن “حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال، وانطلاقا من قراءتهما لما يجري في المنطقة، من خطر تنامي التيارات الرجعية والشروع في تنفيذ مشاريعها الاستبدادية، واقتناعا منهما بضرورة مواصلة النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والمساواة، يعلنان أنهما سيبذلان كل الجهود، ويبحثان في كل الصيغ الممكنة، من أجل تجميع قوى الحركة الوطنية والديمقراطية، بمختلف مكوناتها، السياسية والنقابية والجمعوية، وبفاعليها من مثقفين ومفكرين وفنانين، وبنشطائها من حقوقيين وبرموزها من شخصيات وطنية، وبعلماء الدين المتنورين، والشباب والنساء، وكل فئات الشعب حية، التي تصبو إلى بناء المغرب الديمقراطي الحداثي المزدهر”.
بيان كله غموض وتمثيل وخداع.. أين كنتم طيلة العقود الطويلة..؟!
ألم تجتمع كل هذه القوى وتعطى السلطة والحكومة من بداية حكومة التناوب إلى ما قبل الحكومة النصف ملتحية؟
لماذا لم تفعل شيئا للمغاربة؟
ألم يبع حزب الاتحاد الاشتراكي -الذي أصبح أكثر رأسمالية وجشعا من حزبي الحمير والفيلة الأمريكيين- جل مؤسسات البلاد الحيوية عندما كان في الحكومة ثم لم يتغير شيء؟
ما دمتم بهذه الشهامة لماذا استنزفت أموال الشعب وزيد في جوعه وبؤسه وتخلفه خلال حكم الاستقلاليين والاتحاديين؟
لماذا زادت معدلات الفقر والبطالة والجريمة في زمن حكومة الاتحاد والاستقلال بينما راكم رفاق بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي الثروات وفرخوا الشركات وأساطيل الصيد؟
في حين بقي جل المغاربة تحت خط الفقر أغلبهم لا يجد الدواء لأبنائه ولا الحليب واللقمة لعياله.
من يا ترى المسؤول عن السياسات التي أورثتنا تعليما فاشلا مفلسا؟
أليست حكومات الاستقلال المتعاقبة منذ استقلال البلاد؟
إن من سكت على الفساد وشارك فيه وتواطأ مع المفسدين طوال عقود مديدة لا يمكنه أن يكون مصلحا اليوم، وعليه أن يتوارى عن الأنظار ويستحيي من المغاربة قبل أن يحذفوه بالحجارة، فمن كان ولا يزال جزءً من المعضلة لا يمكن أن يكون مشاركا في حلها إلا بخروجه وابتعاده.
ثم ما الذي لدى هاذين الحزبين ليقدماه للمغاربة في هذه المرحلة العصيبة؟
كيف يمكن أن ننتظر من حزبين يقتاتان على ماضيهما الملتبس وحاضرهما الفاسد أن يصلحا ما كانا سببا في فساده؟
فحزب الاتحاد الاشتراكي لفظته الصناديق وأقصاه المنتخبون لأنه لم يكن في مستوى الحدث، واستأنس في وقت التضحية بدفء الكراسي الوثيرة وقوة السلطة الآمرة، فدجنت رموزه، وأدبت قادته بشكل يبعث على الشفقة، ثم كان مصيره الإفلاس السياسي وفقدان المصداقية.
أما حزب الاستقلال فكان منذ الاستقلال الأداة المخزنية الرادعة، لم يتورع في قتل رموز جيش التحرير ونصب كل أدوات التعذيب لمخالفيه، كان على الدوام اللاعب المجيد لفن التدجين والتدجيل، تعاقب على الحكومات طيلة عمر الاستقلال شغل جل الوزارات حتى سلم القيادة لحكومة التناوب لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية، السكتة التي شاركا فيها طيلة العقود الخالية، ثم بعد رياح التغيير التي رفعت قوما من السجون إلى مراكز القرار، انتفض “الأوسطة” شباط ليُخرج حزب الاستقلال من الحكومة ليدخله من جديد إلى المربع الخاص به في قطعة الشطرنج، لكن هذه المرة في جهة المعارضة.
فهلا تمهل الاستقلال والاتحاد حتى تكنس الحكومة الجديدة دار الحكم من زبالاتهم، وتنظف المكان من مخلفاتهم التي تركوها مرغمين بعد هبوب رياح التغيير، فأشياء كثيرة فاسدة ما زالت تحت مكاتبهم، وبقايا ما أكلوا قد علق بسجاد تلك المكاتب التي كانوا يقررون فيها تلك الخطط والسياسات التي أدخلت المغرب غرفة الإنعاش إثر سكتة قلبية لا زالوا يسوغون بها كل إخفاقاتهم.
العلمانيون في المغرب أيقنوا بإفلاسهم السياسي والأخلاقي، وتأكدوا أن مواصلة دورهم في التمثيل في ظل المتغيرات الحالية أصبح مستحيلا، وأدرك قادتهم أن أحزابهم أصبحت مجرد أرقام لا معنى لها، لكن لا بد منها في النشرات الإخبارية، ومجرد كلمات جوفاء لم يعد يفهمها أحد، لكنها ضرورية في تسويد صفحات التقارير والمقررات الرسمية.
ولما أيقنوا أن مؤسساتهم الحزبية وما يتفرع عنها أصبحت كائنات سياسية ميتة تملأ مقبرة كبيرة بشارع محمد الخامس، لها قبة على غرار كل المقابر في المملكة السعيدة..
ولما أدركوا أنهم أصبحوا مجرد ديكورات تؤثث خشبة الشطح السياسي حتى تنطلي المسرحية على البسطاء من الناس، تنادوا بينهم إلى الاجتماع المذكور، وقرروا كما في بيان اجتماعهم: “مواجهة التطرف الديني والمنهج التكفيري والمذاهب الرجعية الدخيلة، وضرورة فصل النشاط الدعوي عن العمل السياسي، والوقوف ضد محاولات الهيمنة على الإعلام، وتحريف شعارات إصلاحه عن مقاصدها، والدفاع عن حرية الإبداع الثقافي والفني، وإعطاء المكانة المستحقة للمثقفين والمفكرين والمبدعين، خارج أية وصاية إيديولوجية أو قراءة متزمتة أو حصار للعمل الفكري والثقافي والفني”. نص البيان المشترك.
مساكين.. والله إنهم مساكين..
..مواجهة التطرف الديني والمنهج التكفيري والمذاهب الرجعية الدخيلة، وضرورة فصل النشاط الدعوي عن العمل السياسي..
عجبا كلامهم نسخة من كلام السيسي الحاكم العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي المنتخب بعد “الربيع العربي” الذي لم تعجبِ العلمانيين أزهاره ولا أشجاره، لأنها أثمرت فقط في حقول الإسلاميين، فاغتاظوا واستشاطوا وصعدوا على متن دبابات الجيش المنقلب على الشرعية، ليدكوا ورود ذلك الربيع، ويدمروا خضرته بعد اتفاق ومشورة وتخطيط مع معلمي السيسي ومدربيه من قادة البنتاجون الأمريكي.
المغاربة -أيها العلمانيون- يريدون مواجهة التخلف العقدي المتمثل في الخزعبلات والبدع والخرافات التي تحول دون الوعي بحقيقة ما يحاك ضدهم.
المغاربة يريدون مواجهة التخلف الاقتصادي الذي تسببتم فيه وكرستموه برهن اقتصاد البلاد لدى البنك الدولي وصناديق الدول المستكبرة.
المغاربة يريدون أن يعيشوا دينهم دون فصله عن دنياهم، يريدون استرجاع كرامتهم، يريدون الأمن من الخوف الذي زرعته سياستكم الفاسدة طوال عقود في شوارعهم وأزقتهم، فأصبح أبناؤهم عاطلين ضحايا القرقوبي والمخدرات والخمور يضرب بعضهم رقاب بعض، في كل يوم يدخل فريق منهم القبور والفريق الثاني السجون.
المغاربة يريدون القطع مع حداثة لا تكترث إن أصبح جل المغاربة أبناء زنا/أطفال طبيعيين، وجل بناتهم زواني/أمهات عازبات.
المغاربة بكل يسر وسهولة يريدون من يُصلح دنياهم بدينهم، يريدون الخبز مع الكرامة، لا الخبز الذي يدفعون مقابله من أعراض بناتهم، وعلى حساب استقرار أسرهم.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/ جريدة السبيل