الحرب اليوم في ساحة القيم

بعد تنامي المد الإسلامي في العالم، استشعر الغرب خطرا داهما لا يلبث أن يحطم منظومته الفكرية فقام مدافعا عن قيمه العلمانية، فانتهك بكل جرأة حقوق المرأة في بلاده حيث فرض على المسلمات من مواطناته أن ينزعن الحجاب إذا أردن دخول المدرسة فضرب تعاليم مواثيق حقوق الإنسان بعرض الحائط، فأهدر الحرية الشخصية وحرية التدين وحرية التعليم.

لم يأخذ “شيراك” القرار بمفرده بل جمع له مجلس الحكماء الذي يضم 40 شخصية بين مفكر وفيلسوف وأكاديمي كلهم حازوا لقب الحكيم، فوازنوا بين مفاسد حماية الحريات الثلاثة المذكورة للمواطنات المسلمات، وبين مصالح حماية علمانية البلاد، فأفتوه أن حماية العلمانية أولى وأحق، فأصدر قانونا يمنع الحجاب لكونه يتعارض مع قيم العلمانية المنصوص عليها في دستور الجمهورية الفرنسية، واليوم يعيد الأمر نفسه خلفه “ساركوزي” مع النقاب.
إن أوربا لما قطعت مع القيم الدينية وتبنت القيم العلمانية التي تستمد مرجعيتها من الفلسفات المادية كانت تعلم أن بنيتها الاجتماعية ستتغير جذريا، واعتبرت أن أبناء الزنا والنساء الزواني والأمراض الجنسية وتفكك الأسرة وانهيارها والأطفال المشردين كلها أعراض ثانوية للحداثة وضريبة معقولة للتقدم.
وما لبثت أن طبَّعت مع هذه الأمراض وتلك الأعراض فانهار نظام الزواج ولم يعد الناس في حاجة إليه، إذ لم يعد بعد هيمنة المفاهيم العلمانية فرقٌ بين ابن الزنا والابن الشرعي، حيث أطلقت تسمية الأطفال الطبيعيين على أبناء الزنا، والأمهات العازبات على الزواني، وتكفل المجتمع المدني الذي عوض الأسرة برعاية الكل، ونظرا لانتفاء أي قيمة أخلاقية أو دينية أصبح للواطيين والسحاقيات الحقوق نفسها التي يتمتع بها أسوياء الفطرة.
أما في بلادنا فالأمر مختلف، لم نقطع مع القيم الدينية بل ما زالت الدولة تنص في دستورها على أن دينها هو الإسلام، وبها مجالس علمية ووزارة للشؤون الإسلامية وإمارة للمؤمنين، وما زالت مادة التربية الإسلامية تدرس في المدارس العمومية والخاصة، إلا أننا وبالرجوع إلى الواقع العملي نتيه بين أرقام الإحصائيات ونُصدم من نفاذ العلمانية في القوانين ومشاريع الإدارات وخطط الإصلاح كل ذلك باسم الانفتاح والحداثة.
وكدليل على هيمنة العلمانية المدعومة من طرف سفارات الدول الأوربية وأمريكا، تلك الطريقة التي يعالج بها ملف محاربة السيدا، فرغم أن التقارير والإحصائيات تفيد أن 80 في المائة من حالات الإصابة بالسيدا سببها الرئيس هو الزنا، ما زال القائمون على هذا الملف مصرين على الإخلاص للمنهج العلماني في المعالجة، ليقينهم أن الجهات الأجنبية المانحة والمؤطرة في مثل هذه الملفات لن تقبل بإدخال الدين في علاج الأمراض الاجتماعية، لأن ذلك من شأنه أن يوقف المد العلماني ويزيل النقاب عن حقيقة الحرب التي تقودها جهات يَهمّها أن يصبح أبناء المغاربة نصفهم أبناء زنا، والنصف الآخر لواطيين وسحاقيات، وذلك لقتل أي روح للممانعة والمقاومة للدخيل من الأفكار، لعلمهم أن السلاح الوحيد الذي يمتلكه المسلمون هو دينهم، ولا تزال العراق وأفغانستان والشيشان والصومال والسودان تعطي الدرس نفسه الذي سبق أن لقنه المجاهدون من رجال المقاومة خلال مدة الاحتلال الأجنبي لبلدان المسلمين.
لهذا تعطى الجوائز للعلمانيين من أمثال الطوزي وجنجار وتكفل الحماية لأمثال نصر حامد أبو زيد وسلمان رشدي، وحرصي علي الصومالية.
إن الحرب اليوم في المغرب وكل البلدان الإسلامية دائرة في ساحة القيم، فالعلمانيون مدعومين بأموال الغرب ودراساته ومناهجه وما له من نفوذ في بلداننا، يعملون ليل نهار على تفتيت منظومة القيم الإسلامية والاستعاضة عنها بقيم علمانية باسم الحرية والحداثة والانفتاح.
ومع ارتفاع آثار هذه الحرب والمتمثلة في نسبة أولاد الزنا والنساء الزواني، أصبح التشوه بارزا على البنية الاجتماعية، فأصبح الحديث عن البكارة “زايد ناقص” كما سبق وأن عنونت إحدى المجلات العلمانية المتطرفة أحد ملفاتها.
وبالفعل، فالاستخفاف بالعذرية صار أمرا واقعا نظرا لكون قيم العفة تحارب ليلا نهارا، سرا وجهارا، على القنوات الإعلامية الرسمية، وفي الإذاعات الخاصة.
وتجنبا لمخالفة الواقع أصبح العدول الموثقون لعقود الزواج بالمغرب يتجنبون إثبات ما يفيد عذرية النساء فيما يحررونه من صكوك الزواج، فقد سبق أن أكد عبد السلام البوريني، نقيب هيئة العدول بالمغرب، أن عبارة البكر العذراء لم تعد تدون في عقود النكاح الحالية وصار يقتصر على تدوين عبارتي عازبة أو لم يسبق لها الزواج.
كما أوضح البوريني، في تصريح لـيومية “المساء”، أن مجموعة من الأسر التي تقصد مكاتب العدول تستقدم معها شواهد طبية تثبت أهلية العريس والعروسة للمعاشرة الزوجية، وأن قلة قليلة من هذه الأسر تستقدم معها خبرة طبية تثبت سلامة غشاء البكارة من الافتضاض.
فقد تحققت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر أن المسلمين سيتبعون سنن من كان قبلهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى إذا ما دخلوا جحر ضب دخلناه. ولا نشك أن تبني الدول الإسلامية للعلمانية هو من دلالات النبوءة، وهذا لا يعني الاستسلام والركون فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هـريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء”، وفي رواية قيل: “ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”. الصحيحة.
فليشمر المصلحون والصالحون على ساعد الجد، فما أكثر الفساد وما أعز المعين.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *