وتستمر الغطرسة الإسبانية (صدق الخطابي..)

إن المواقف الإسبانية العدوانية تؤكد بأن السياسة والدبلوماسية مهما بلغت من المهارة، لا يمكن أن تغطي الحقائق التاريخية والدينية.

وإن مثلنا مع الإسبان كمثل الذي سمّن كلبا فأكله هذا الأخير؛ فبعد أن أخرجت الحضارة الإسلامية إسبانيا من الفقر والجهل والبربرية، وبعد أن شيدت على أرضها صرح العدالة القرآنية، وقصر الفخامة العمرانية، وبعد أن فتح لها المغرب -طوعا أو كرها- أبواب الامتيازات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبعد أن أكلت بِنَهم من ثرواته البحرية، واستغلت فقراءه أبشع استغلال وصل إلى حد المتاجرة بأعراض مغربيات في أسواق الدعارة المذلة..
ها هي ذي إسبانيا تجازي المغاربة بجزاء سنمار؛ فترفض في صفاقة وجه الحديث عن شيء اسمه استقلال سبتة ومليلية والجزر المحتلة، وتضيق على الناشطين والحقوقيين المطالبين باستقلال هذه الأراضي، بل تمعن في حفر جرح المغاربة حين يزور ملكها ورئيس حكومتها أرضنا المحتلة بشكل مذل مستفز..
وثالثة الأثافي إرسال الأمن الإسباني ثيرانه الشرسة -المسماة حرسا أمنيا- على المستضعفين من المواطنين المغاربة1، ليذكرونا بما سجله التاريخ من أحوال البربرية الإسبانية أيام كانوا يتفننون في تعذيب الأفارقة، ويبنون على جثثهم الحقول والدور والخمارات، وأيام أقاموا محاكم التفتيش لتعذيب المسلمين بأشد أنواع التعذيب، أما القرصنة واللصوصية فلا تسل..
ولعل من آخر حلقات هذا التاريخ المشؤوم؛ استعمال أسلحة فتاكة محرمة دوليا للقضاء على جهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله، الذي استطاع -مع قلة العدة والعدد- أن يلحق هزائم بدولتين أوروبيتين مجهزتين تجهيزا قويا؛ من أشهرها هزيمة الإسبان في معركة أنوال في يوليوز 1921.
جاء في كتاب “أصول حرب الريف” في وصف هذه الهزيمة: “سحق فجأة جيش الجبهة الشرقية عن آخره، على الرغم من رجاله البالغين 20000 جندي، وانسحب مغطيا الأرض بجثث ضحاياه، تاركا للخصم مذخراته الحربية ومخزوناته الغذائية، قوبل الحدث بموجة من الذهول، سواء في إسبانيا أو في العالم. ولا غرو فقد كان الخصم يتكون من مجرد عصابات من الفلاحين، ذوي تسليح يرثى له”اهـ.
وتكررت هزيمة الإسبان مع دكتاتورهم العسكري (primo de rivera)؛ ففي “1924 تقهقر جيشه أمام ضربات الريفيين حتى إلى أبواب تطوان. كان عبد الكريم حينئذ قد ربح الحرب وعلى أهبة الاستعداد لشن هجومه النهائي المزدوج، في اتجاه مليلية شرقا، وفي اتجاه تطوان غربا، ولو لا أنه اضطر في هذا الوقت بالذات إلى الاستدارة نحو الجنوب، حيث قامت فجأة جبهة ثالثة في ظروف غامضة”.
إن المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي كان مصيبا حين شدد على ضرورة إخراج الإسبان بالجهاد، لأنهم لا يفهمون سوى لغة السلاح وإنما يفل الحديد الحديد.
كما أن الدكتور محمد تقي الدين الهلالي أجاد وأفاد حين ترجم كتاب الأستاذ جوزيف ماك كيب “مدنية المسلمين في إسبانيا”؛ وسبب ذلك أنه لما نزل غرناطة كان الطلبة المغاربة يشتكون له احتقار الإسبان لهم، وأنهم يرمونهم بكل عيب ونقيصة، “ويزعمون أن كل شر موجود في البلاد الإسبانية وكل عادة قبيحة هي مما خلفه المغربيون إبان حكمهم لتلك البلاد”!
يقولون هذا وخزينة دولتهم تئط بتوالي ملايين الدولارات التي تدرها السياحة العمرانية القائمة على ما خلفه المسلمون من تراث عمراني جذاب!!
قال الدكتور: “فأعطيتهم أدلة قاهرة على عكس ما زعموا يضربون بها أساتذتهم”، وهي أدلة مدونة في الكتاب المذكور.
إن عدوان الإسبانيين علينا يقتضي منا حكومة وشعبا بل وأمة؛ أن نراجع قناعاتنا وأن نصحح أخطاءها وأن نعالج المشكلة باقتلاعها من جذورها؛ وإلا فكيف نواجه العدوان الإسباني ونحن نعاني من موت مشروع الوحدة المغاربية؟ في حين تجعل إسبانيا من نفسها الفتاة المدللة للاتحاد الأوروبي!
وكيف نواجه هذا العدوان وقد قتل حب المال والشهوات نخوة الدين والمروءة في قلوب الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال، الذين عمّرت قلوبهم محبة شواطئ إسبانيا العارية وخمورها، بدل أن تكون عامرة بالغيرة الدينية والوطنية؟!
وكيف نواجه هذا العدوان والكثير من سياسيينا ومثقفينا دب إليهم داء الانهزام النفسي فأصبحوا وجلين من غضب الحكام الإسبان؟!
وكيف نواجه هذا العدوان وفي مثقفينا من يمجد هيئة الأمم المتحدة وقد ملأت مشارق الأرض ومغاربها ظلما واستبدادا؟ (يكفينا سكوتها عن احتلال فلسطين شرقا، وسبتة ومليلية غربا؛ في معاكسة صارخة لحجة التاريخ وبرهان الجغرافيا)، ومع ذلك يمجدها العلمانيون ويقدسون كونيتها المزعومة ونظامها العالمي الجديد!!
وكيف نواجه هذا العدوان والكثيرون منا يتنافسون على تسيير الجماعات والمجالس المحلية والبلدية لتضخيم ثرواتهم، في الوقت الذي تجتهد البلدية الإسبانية في إظهار الفرق بين العمران والخدمات والبنية التحتية في سبتة ومليلية المحتلتين، وبين تلك الخدمات فيما يجاورهما من طنجة والناظور، فرق يدركه بسهولة من يقف -مثلا- على جبل “الكوركو” ليشرف منه على مدينتي الناظور من جهة ومليلية من جهة أخرى.
وكيف نواجه هذا العدوان وآلاف المغاربة يسبحون بحمد كرة القدم الإسبانية، ويهتمون بها اهتماما يطغى على اهتمامهم باستكمال وحدتهم الترابية؛ وهكذا تضحك علينا إسبانيا، وتشغلنا عن قضايانا الأساسية بكيلوين من الريح تتقاذفهما الأقدام!
إن هذا العدوان المتجدد والمستمر لا يمكن أن يمر دون استغلاله لفتح باب استرجاع المدينتين السليبتين، باستعداد جاد يقوم على أساس إصلاح النفوس بالتدين، وترشيد التدابير السياسية والاقتصادية، والأنشطة الثقافية والاجتماعية، وتطهيرها من (فيروس) العلمانية الحالق للدين..
وإنما نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره ذللنا واحتُقرنا..
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
(ح.ق؛ جريدة السبيل)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

يبدو أن إسبانيا استكثرت علينا المشاريع المتوسطية والأوراش الاقتصادية الضخمة التي يشرف عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفقه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *