وتستمر المجزرة ما دام الضحايا مسلمين

بعد المحرقة التي يعيشها المسلمون في غزة الأبية الشامخة أصبح من الواضح أن كل الدعوات المطالبة بالسلام إنما المقصود منها سلام الشعب اليهودي المحتل لفلسطين، وأن كل المطالب المنادية بنبذ ثقافة الحقد والكراهية هي مطالب بنبذ حقد الشعوب المسلمة على المحتلين الصهاينة وكراهيتها للمغتصبين اليهود، فمنظمة الأمم المتحدة التي تدعي حفظ السلام والتي كانت أولى قراراتها قرار قيام دولة الصهاينة على أرض فلسطين، تنفق ملايير الدولارات من أجل إحلال ثقافة السلام بين مليار ونصف من المسلمين لقتل روح الممانعة والمقاومة، بينما تعجز عن زجر الكيان الصهيوني بعد أن أقام في غزة للفلسطينيين المسلمين مجزرة قتل فيها أكثر من 1000 إنسان معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح ما يقارب خمسة آلاف مسلم.
ولنا أن نتصور لو كان كل هذا القتل والدمار قد حل بشعب أوربي أو برعايا أمريكيين، هل كانت الأمم المتحدة ستأخذ مدة 15 يوما حتى تخرج بقرار لا يتضمن ولو مجرد الإدانة.
إن الدمار والتقتيل الذي يعيشه المسلمون في كل مكان لم ينقطع في يوم من الأيام منذ أن سقطت الخلافة الإسلامية التي كانت قوام عزة المسلمين، ففلسطين ما فتئت تشكو من دول الغرب منذ الانتداب البريطاني الذي مكن للصهاينة في أرضها، ففي سنة 1936م صرح المتحدث باسم اللجنة العربية العليا معلنا الإضراب الشامل احتجاجا على سياسة الانتداب قائلا:
“إن الشكوى الرئيسية لدى العرب هي ضد سياسة الحكومة البريطانية في فلسطين، فهي سياسة إذا ما استمرت فستؤدي حتما إلى إحلال اليهود محل العرب، وخلافا لكل المبادئ، فقد فرضت الحكومة البريطانية تصريح بلفور الذي يمقته جميع العرب في الشرق الأدنى، وبتفضيلها تأسيس وطن قومي لليهود تناست -بقصد- حماية الحقوق المدنية للسكان غير اليهود، لقد قرر العرب القيام بإضراب عام وشامل حتى تتوقف هجرة اليهود بشكل كامل وحتى تجري الحكومة تغييرا جوهريا في سياستها الحالية”.
وبالفعل تم تطبيق الإضراب حيث أضرب كل الفلسطينيين، لكن سلطات الاحتلال البريطاني تعاملت معه بالوحشية نفسها التي يتعامل بها الاحتلال الصهيوني مع المسلمين اليوم في غزة حيث تم اعتقال كل من يشتبه في علاقته بالثوار وتفجير منازلهم، وقد بلغت المنازل المهدومة من طرف الاحتلال أكثر من 200 منزل في يافا وحدها كعقاب جماعي، وتلتها مدن وقرى أخرى، وأصر البريطانيون على أن هدم المنازل عمل مبرر من أجل إخماد الثورة.
حدث هذا قبل اثنين وسبعين سنة أي قبل اثنا عشر سنة من إنشاء منظمة الأمم المتحدة، فماذا تغير يا ترى بعد سبعة عقود من الزمن التدمير هو التدمير والقتل هو القتل، وحل اليهود الصهاينة مكان الفلسطينيين المسلمين، وفي الوقت الذي يصر فيه الغرب على مواقفه اتجاه قضايانا، نغير نحن كل مواقفنا اتجاهه، حتى أصبح هو نفسه يستغرب من درجة الانبطاح والاستسلام التي يبديها أغلب المسئولين في البلدان المسلمة.
فلماذا لا ينسى اليهود والنصارى حروبهم التاريخية معنا؟ بينما نسينا نحن الملايين من الأرواح التي أزهقت طيلة مدة الاحتلال الأجنبي لبلداننا، بل نسينا بسرعة الضوء كل الدمار الذي أحدثه الإنسان الغربي في الشيشان والبوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق والصومال.
إن الأوربيين والأمريكيين يعتبرون التاريخ بكل أحداثه وعبره في معاملاتهم مع الشعوب والدول الإسلامية، لذا يعملون جاهدين على قطع الطريق أمام عودة الإسلام، وتتواطأ دول الاتحاد الأوربي وأمريكا مع الكيان الصهيوني على اغتيال المقاومة، لأنها نقطة البداية في نظرهم نحو خلافة إسلامية ثانية.
إنهم يعلمون أن الإسلام هو القوة التي لا يؤثر فيها تهديد ولا إغراء، ولا تعرف جبنا ولا خيانة، لذا لا مجال في رأيهم للتفاوض أو الحوار، ولا حل سوى في الاقتصار على لغة الرصاص، والاعتماد على خيانة العلمانيين من أبناء المسلمين، وهذا ما نراه ماثلا أمامنا حقيقة في أحداث غزة الأبية حيث صرحت وزيرة الكيان الصهيوني قائلة: “عندما تنتهي المهمة سننظر في موضوع فتح المعابر, وفتحها لن يكون على يد حماس, ولكن على يد أبو مازن محمود عباس فقط “.
إن من أكبر المنح التي انطوت عليها محنة غزة هي انكشاف حقيقة دعاوى السلام والتعايش، وتميز الصفوف، ورجوع الخطاب الإسلامي إلى الواجهة بعد أن قمع بفعل المضايقات التي رافقت الحرب على الإرهاب، ليتبين أن الحرب العالمية على الإرهاب لا تعني في القاموس الغربي سوى الحرب على الإسلام، وأن إكراه الغرب للدول الإسلامية على المشاركة في هذه الحرب القذرة، وما صاحبه من تعاون استخباراتي وتبادل للمعلومات إنما كان الهدف منه محاصرة أي مقاومة للمخطط الغربي الامبريالي، في القرن الواحد والعشرين.
فمتى يستفيق قادة الدول الإسلامية ويعلموا أن الخير في نبذ العلمانية والمصالحة مع أبنائهم المستهدفين من طرف الغرب الامبريالي.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *