في الوقت الذي قامت به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعملية إعادة هيكلة الحقل الديني دون أن تكلف نفسها إعداد أي دراسة حول التدين وظاهرة الانحراف عند الشباب المسلم الذي استحوذت عليه الرذيلة والمخدرات وكل أنواع الموبقات، تقوم “مجلة مقدمات Prologue” بتمويل من مؤسسة “فريدريك إيبرت” الألمانية بدراسة تحت عنوان: “القيم والممارسات الدينية عند المغاربة” خلصت إلى أرقام واستنتاجات سيستغلها العلمانيون بالتأكيد في المرحلة القادمة من مخطط علمنة المغرب.
وأخوف ما نخاف أن تعتمد الجهات الرسمية التي تعنى بالشأن الديني نتائج الدراسة دون اعتبار المرجعية العلمانية التي حكمت وضع الاستمارة، وكذا منطلقات وأهداف الجهات التي قامت بها، مما سيعمق الهوة بين الشعب المغربي وعلمائه ومؤسساتهم.
إن أرقام هذه الدراسة وخلاصاتها رغم كونها تقرِّب مدى استفحال ظاهرة التغريب في صفوف المغاربة وبعدهم عن دينهم، إلا أننا لا ننصح وزارة الأوقاف باعتمادها، لكونها ملزَمة قبل غيرها بإجراء مثل هذه الدراسة، حتى تعلم إلى أي درجة وصل خطر العَلمانية الذي أصبح يتهدد المغاربة في دينهم وعقيدتهم، بحيث طغت قناعاتها وأفكارها على سلوكيات الكثير منهم، ووجهت طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع أمور دينهم، وهذا عين ما صرح به محمد العيادي وهو أحد معدي الدراسة لجريدة المساء العدد 381 حيث سئل عن أهم الخلاصات التي انتهت إليها هذه الدراسة؟ فأجاب: “نحن في هذا البحث انطلقنا من فرضية تقضي بعدم الاتفاق مع النظرية التي تتحدث عن عودة الدين. لماذا؟ لأن القول بعودة الدين يفترض غياب الدين في مرحلة من المراحل، لتكون هذه العودة. كما أن الملاحظ هو استمرارية الدين ولم يلاحظ أي اختفاء له في كل تاريخ المغرب.
أما بخصوص الأطروحة الثانية التي انطلقنا منها وهي القول إن هناك تعارضا بين الدين وsécularisation ففي الوقت الذي يوجد فيه تدين وانتعاش للممارسات الدينية في المغرب من صلاة وصيام وحج.. نرى أن المجتمع المغربي خاضع لصيرورة sécularisation بمعنى أن الممارسات الدينية محدودة في المجال الديني وأن مجالات الحياة العامة من اقتصاد وسياسة محكومة بالزمن وليس بالدين”.
يعبر هذا التصريح عن منطلقات أصحاب الدراسة، كما لا يخفي فرحهم بعَلمانية المغرب في مجالات الحياة العامة الشيء الذي يفصح عن فظاعة إهمال الوزارة الوصية على الشؤون الإسلامية بحياة المغاربة العامة والتي تتعلق بالاقتصاد كالربا، والخمر والاختلاط في الإدارات والمؤسسات الرسمية وغيرها من القضايا التي ذات الصلة بالمجالات العامة، تاركة مهمة تأطيرها للعلمانيين، مما يجعل العلماء يكابدون حرجا بالغا في إفتاء المغاربة كلما تعلقت سؤالاتهم بها.
إن هذه الدراسة لم تهيّأ كي نتدارك ما طرأ على التزام المغاربة من تقصير، وإنما قام بها معدّوها لمعرفة مدى تغلغل العلمانية وهيمنتها على السلوك والممارسة عند المواطن المغربي المسلم، ولذا حظيت برضا الغرب الذي يهمه أن تسود العلمانية في المغرب، هذا الرضا الذي يبدو واضحا من ثناء “هاجو لانز” عن مؤسسة “فريدريك إيبرت” حين قال: “حتى الآن، كان هناك عدد من الأسئلة يفوق الأجوبة، وعدد من الاحتمالات يفوق الحقائق”، وأضاف: “اليوم، وبفضل هذه الدراسة الأولى، لدينا فرصة أفضل للفهم والقيام بدراسات وتحليلات أخرى من أجل فهم أكثر عمقا لمختلف مظاهر نتائج هذه الدراسة حول الممارسات الدينية”.
فلماذا يحاول الغرب دوما وفي كل مرحلة معرفة كيف نفكر وماذا نعتقد وإلى أين وصل وعينا؟ فيضع لنا ما يتناسب مع ذلك من برامج واستراتيجيات تكرس تبعيتنا له فكريا واقتصاديا. بينما يلجأ المسؤولون عندنا إلى إرغام المواطنين على اعتقاد معين وتفكير محدد، دون أن يسألوا عن سبب هذه الهوة السحيقة بين الشعب وحكامه ومسؤوليه.
ألا يجدر بنا أن ندرس أنفسنا بأنفسنا ونعمل على دعم مقومات هويتنا وديننا؟ قبل أن نصير في بطن الآلة الاقتصادية الغربية، فهي توشك أن تبتلعنا بالكامل، إذ لم يبق إلا جزء حالت دون بلعه صحوة الشباب الواعي بأهمية الرجوع إلى دينه وعقيدته.
ألا إن قوة الشعوب فيما تعتقده، فلماذا لا نقوي عقيدتنا الدينية التي كانت سبب العز بالأمس، وما تخلفنا إلا عندما تركنا العمل بما تقتضيه فتفرقت بنا السبل أحزابا وشيعا، هذا أمازيغي وذلك عربي والثالث صحراوي، والآخرون علمانيون تعددت كياناتهم بتعدد أهوائهم، ويوهموننا أن التنوع والاختلاف خير، بينما الله سبحانه يحذرنا من ذلك كله فيقول: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” الأنفال.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
السبيل