حتى لا ننسى من هي أمريكا..

أصبح من المعلوم الذي لا يناقشه أحد أن البلدان العربية لا تملك حرية اتخاذ قراراتها خصوصا إذا تعلق الأمر بمواقفها من قضايا الأمة، وقد بدا هذا واضحا بعد “الربيع العربي”، فتابع الجميع كيف تعاطى الغرب الديمقراطي مع قضايا الشعوب العربية حتى لا ترسو سفينة التغيير في ميناء الإسلاميين، وكيف حرك دولا كالإمارات والسعودية لتدعم الانقلاب على حكومة هي -بالنظر إلى معتقداته- أوفر شرعية من حكومتي البلدين المذكورين، بينما فرض على باقي الدول العربية موقف المتفرج المتواطئ.
فخلال عقود مديدة والغرب يطالب الحكام العرب بتبني الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ويهدد بالعقوبات وبمنع القروض والهبات، مستعملا ذلك كورقة ضغط يبتز بها الحكام المستبدين بالسلطة والثروة، حتى يضمن وقوفهم بجانبه وعدم اعتراضهم على ما يتخذه من قرارات في العالم خصوصا ما تعلق بقضايا “الشرق الأوسط” وحماية الكيان الصهيوني.
وكان أولئك الحكام بالمقابل يقنعونه كل مرة أن إرساء الديمقراطية والسماح بانتخابات نزيهة لن يكون إلا في صالح الإسلاميين.
وشاء الله تعالى أن تهب رياح عاتية قلبت بعض أولئك الحكام من عروشهم إلى مزبلة التاريخ، ولأن نظام الحكم في الإسلام لا وجود له في واقع بلداننا ودولنا، تحاكم الناس إلى الآليات الديمقراطية التي أسفرت عن فوز الإسلاميين، فتحركت أيادي الغرب الخفية لتجهز على ما حكمت به ديموقراطيتها في بلداننا، لتبقى الشعوب العربية تحارب بحثا عن كرامتها ودينها عدوا وهميا يتراءى مرة في وجوه العسكر، ومرة في وجوه المستبدين أمثال بنعلي والقذافي ومبارك، بينما الحقيقة أن أولئك هم أيضاً مجرد كراكيز، تقبض خيوطَ تحريكها أصابع عدوٍّ لا يظهر جسمه، لكن يدرك العقل أنه هو من يحرك اللعبة لصالح طرف يكون في النهاية هو الفائز بعد كل الأحداث الدامية التي يشهدها العالم، الأمر الذي يجعلنا مضطرين لموافقة المؤلف السكوتلاندي “شيريب سبيريدوفيتش” على وجود ما أسماه: حكومة العالم الخفية، دون أن ندخل في مناقشة المؤلف حول صحة أو بطلان اتهامه لليهود الصهاينة أنهم عبر منظماتهم العالمية يحدثون الفوضى والحروب والأحداث الدامية، وأنهم وراء كل المآسي الكبرى التي لحقت العالم.
المهم أن لا أحد ينكر هيمنة اللوبي الصهيوني على القرارات الأمريكية التي تنحاز في كل قضية ودون قيد أو شرط إلى جانب ربيبتها الصهيونية.
فعلى مدى عمر الصراع حول فلسطين السليبة بين المسلمين والصهاينة، كان الفيتو الأمريكي الفيصل في منع ولو مجرد إدانة للكيان الصهيوني رغم جرائمه المتعددة والمتكررة.
ومع ذلك وفي كل مرة تلزم أمريكا الدول الإسلامية أن تقبل بها المتدخل الوحيد والفاعل في القضية، حتى عندما يُعمل الكيان الصهيوني القتل والتدمير في المسلمين، وينتهك كل الأعراف الدولية باستعمال الأسلحة الممنوعة دوليا لا يجد العرب من يستجدونه سوى أمريكا كي تضغط على الصهاينة.
إن حقيقة هيمنة الصهاينة على القرار الأمريكي، وهيمنة أمريكا على القرار في بلداننا العربية، يجب أن تستصحب في تحليل ما تمر به بلداننا من أحداث جسام، وألا تغفل في تفسير مواقف حكوماتنا سواء في قضايا أمتنا، أو قضايانا الداخلية.
فالعراق دُمِّر من أجل حماية أمن الكيان الصهيوني، وغزة تحاصر ويموت أهلها جوعا ومرضا من أجل حماية الصهاينة من صواريخ حماس، والانقلاب وقع في مصر من أجل حماية أمن الصهاينة.
فكل الدراسات والتحليلات تفيد ذلك، بينما يطغى على السطح في الإعلام العلماني الكاذب، تنظيم القاعدة في العراق، وحماس في غزة، والإخوان في مصر، وطالبان في أفغانستان، وجبهة الإنقاذ في الجزائر.
لتكون النتيجة في النهاية تمكين العملاء من مقاليد الحكم بعد سفك دماء الشعوب والاستيلاء على ثروات البلاد، بينما يصور للمواطن العادي أن السبب في كل ما يجري هو الإسلاميون وتفسيرهم المتشدد للإسلام.
لا ينبغي أن تجرفنا السذاجة فنعتبر أن الصهاينة يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة، وأننا كأكباش تساق إلى الذبح كمصير حتمي لا انفكاك لنا عنه، لكن بالمقابل لا يجب إغفال العلاقة بين الصهيونية والإدارة الأمريكية والدول الغربية بما فيها روسيا، فكل المعطيات التاريخية والواقعية تثبت أن للصهاينة قوة وسيطرة على دول الغرب، حتى أن كل رئيس لأمريكا لا يدخل البيت الأبيض إلا إذا أعطى كل الضمانات أنه سيجعل أمن الكيان الصهيوني من أمن أمريكا، وأنه سيحارب أي حكومة تحارب الصهاينة، الأمر نفسه يتكرر في كل مرة.
فقبل أن يتولى باراك أوباما الحكم، ألقى أمام أعضاء لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية(1) American Israel Public Affairs Committee خطبة ضمن فيها أمن الكيان الصهيوني ومحاربة كل من يهدده.
خطبة أوباما هذه تعين على شرح وتفسير العديد من الوقائع مثل قضية عزل حكومة حماس الفائزة بالانتخابات في فلسطين، وإبقاء عباس العميل على كرسي الحكم، وتعطي تفسيرا للمحرقة التي قام بها الصهاينة في غزة سنة 2008، وقضية الأنفاق وهدمها من طرف حكومة السيسي، وقضية عزل الدكتور مرسي. لذا يحسن إعادة نشر كلامه رغم طوله، قال أوباما:
“- لا يوجد مكان على طاولة المفاوضات للمنظمات الإرهابية، وهذا كان سبب رفضي لانتخابات 2006، عندما كانت حماس مشاركة في الاقتراع.
– السلطات الإسرائيلية والفلسطينية معا، قاموا بتحذيرنا في وقتها من إقامة هذه الانتخابات، ولكن هذه الإدارة مضت قدما، والنتيجة ها هي غزة تحت سيطرة حماس وصواريخها تمطر إسرائيل.
– يجب على مصر أن تقضي على عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة؛ وأي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل باعتبارها دولة يهودية، دولة ذات حدود آمنة وسالمة ومحصنة.
– القدس ستبقى عاصمة إسرائيل، ولن تُقسّم.
– اتحادنا مع إسرائيل قائم على مصالح وقيم مشتركة، وهؤلاء الذين يهددون إسرائيل يهددوننا”. انتهى.
لا يهمنا موقف أوباما ولا الأيباك ولا الصهاينة ولا اليهود الداعمين للصهاينة من قضايا أمتنا ومن مصالحنا، فهم يعملون لصالح دولهم وانتماءاتهم، لكن ما يهمنا هو التوعية بخطر السير في ركاب أمريكا، والتنبيه إلى خطورة التواطؤ مع ربيبتها الصهيونية سواء كان هذا التواطؤ سياسيا أم ثقافيا أم اقتصاديا بل حتى فنيا أو رياضيا.
إن على الغيورين من السياسيين والإعلاميين والباحثين أن يقيموا دراسات تبين وتشرح كيف تم اختراقنا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وحقوقيا، وكيف يحكم الصهاينة العالم اقتصاديا من خلال الشركات المتعددة الجنسيات، وسياسيا من خلال المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وثقافيا من خلال الفن والجوائز الدولية وعولمة الثقافة العلمانية، وبعد ذلك تدرس للأجيال خلاصات الدراسات حتى يكونوا على حذر من أن يستخدموا في خطط التطبيع والعلمنة والعولمة دون وعي منهم أنهم يحاربون أمتهم وهويتهم، وليعلموا أن جميع الساسة والقادة والمفكرين والإعلاميين والمثقفين الذين يتواطؤون مع أمريكا والصهاينة، ويطبلون “للتطبيع” مع الكيان الصهيوني، هم خائنون لأمتهم ودينهم.
فكل “تطبيع” هو مباركة لكل الجرائم التي تحدث في بلدان المسلمين، وبيع لبيت المقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيانة لله ورسوله.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب
Ettalebibrahim@yahoo.fr
—————–
(1) الأيباك: Aipac، هي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، ومن أهم أهدافها تحقيق الدعم الأمريكي لدولة الصهاينة. لا تقتصر الأيباك على اليهود بل يوجد بها أعضاء ديموقراطيون وجمهوريون. تم تأسيسها في عهد إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور. وتعتبر منظمة صهيونية ويظهر ذلك من خلال اسمها الأول الذي حملته عند التأسيس في سنة 1953 وهو:
American Zionist Committee for Public Affairs اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *