“في ظل خوف السياسة ورِدة أهلها، السينما المغربية تقاوم التطرف”.
بهذا العنوان العريض استهلت جريدة الأحداث المناوئة لكل ما هو إسلامي صفحتها التي خصصتها لنتائج مهرجان السينما الوطنية في طنجة.
دلالة العبارات: “خوف السياسة”، “رِدة أهلها”، “السينما”، “تقاوم”، “التطرف”، تعطينا فكرة عن جانب من الصراع السياسي الذي يعيشه المغرب، كما تحدد لنا طرفي الصراع، فأين تكمن ملامح الردة السياسية؟ وأية سينما هذه التي تقاوم التطرف بعد ارتداد السياسيين؟ وما المقصود بالتطرف؟
المتتبع للفظاعات التي تخللت المهرجان وللأفلام التي فازت بالجوائز يسهل عليه الوصول إلى أجوبة للأسئلة المذكورة، خصوصا إذا تابع النقاش الكبير بين طرفي ما أسمته الجريدة المذكورة “مقاومة” اللذين شكلا فريقين:
– فريق “يقاوم التطرف” بدفاعه عن المفاهيم والمقاييس الغربية للإبداع وللحرية، ويتجاوز كل الحدود بحيث يجعل المشاهد الجنسية والكلام الساقط مشروعا ما دامت الدراما تستدعيه، ويحارب إدخال الدين والأخلاق في نقد أي عمل سينمائي، ويعتبره تطرفا يمنع من ازدهار السينما ويحد من حرية الإبداع.
– وفريق “متطرف” يدافع عن منظومة القيم الإسلامية التي تعتبر الأساس الذي تنبني عليه الأسرة أهم مؤسسة في المجتمع المغربي، ويعتبرها المرجعية أو القاعدة الصلبة التي تستند عليها الشخصية المغربية في بناء هويتها وتاريخها، ويشتد هذا الفريق تطرفا عندما يعتمد الدين والأخلاق معيارين في نقد الأعمال السينمائية، ولا يعترف بدراما تشرع المشاهد الجنسية والعهر، ما دامت الدراما عملا بشريا يمكن أن يُحْبَك بشكل يسوغ أبشع المشاهد وأشدها إثارة للشهوات، وهذا مجرب في سينما البلدان الغربية التي فككت دينها وأهملت منظومة قيمها الدينية والأخلاقية.
الصراع بين الفريقين بدأ عمليا خلال أزمة دفاتر التحملات الخاصة بالقنوات العمومية، والذي أبان فيه الفريق الأول أنه مسنود بالسلطة أو بالسلطات (بالجمع) الرسمية وغير الرسمية، وأعطى الانطباع -الذي لا زال يقوى حتى أصبح يقينا- بأن قرارات وزارة الاتصال لا وزن لها وتبقى حبرا على ورق ما لم تحترم الوزارة نفوذ مديرين وموظفين في المجال السمعي البصري، هذا النفوذ الذي أعطي لأشخاص يعلم الكل أنهم مجرد أذرع تنفذ السياسة التي يريدها من توارى إلى الظل ليأخذ موضعه من حكومته.
نور الدين الصايل بصفته أحد أهم الأذرع “إياها”، من خلال تمويل هذه العينة من الأفلام ومن خلال منحها الجوائز يصر على بعث رسائل مهمة أهمها أننا في المؤسسات الإعلامية العمومية لن نسمح بأي تدخل يمس مرجعيتنا العلمانية والتي تقتضي منا محاربة تطرف القوى المحافظة ومنعها من التحكم في قطاعنا، أو فرض وصايتها علينا ولو كان القانون معها، لأن قيمنا العلمانية هي فوق القانون الذي ينبغي أن يمنع من وصول أمثال هؤلاء المتطرفين إلى كراسي ممارسة السلطة.
مهرجان طنجة لم يكتف بالاحتفاء وإجازة أفلام الخلاعة والإفساد الأخلاقي بل تعداه إلى منح إحدى جوائزه للفيلم الوثائقي “تينغير-جيروزاليم..أصداء الملاح” المدعوم من جهات يهمها استكمال عملية “التطبيع” مع الكيان الصهيوني التي تمشي ببطء لكن بفعالية كبيرة، الفيلم يلمع صورة الصهيونية، ويلبس على المغاربة تاريخهم ويضعف انتماءهم إلى الأمة الإسلامية، ورغم ذلك اعتبر الفريق الأول مرة أخرى أن انتقاد الفريق الثاني “المتطرف” للفيلم بأنه دعوة للـ”تطبيع” ودعاية للصهيونية، إنما هو كلام فارغ يظهر أن هذا الفريق ضد التنوع الثقافي والعرقي للمغاربة، وأنه مجرد كراهية لا مسوغ لها.
فصاحب الفيلم ركز على مغربية اليهود الذين هاجروا من تنغير تركيزا أراد أن يثبت به شيئا يعلمه الجميع، فلا أحد يشكك في أنهم يهود مغاربة، لكن يبدو أن الهدف شيء آخر، حيث أظهر اليهود المغاربة مسالمين طيبين في مدينة القدس وهم يتكلمون الشلحة والدارجة ويتأسفون على فراقهم للمغرب وافتقادهم للأمن الذي كانوا ينعمون به، مظهرين أن الوضع مخالف في القدس وفلسطين حيث اليهود يقتلون المسلمين والمسلمون يقتلون اليهود، في الوقت نفسه نراه يمرر في طيات فقرات الشريط كل أنواع “التطبيع” التي تسوي بين الظالم والمظلوم بين المغتصب وصاحب الحق، تسوية و”تطبيع” يقتلا كل إحساس بالانتماء إلى الأمة الإسلامية التي لا زالت قضية القدس وفلسطين من أكبر قضاياها.
فلماذا يا ترى تفادى أن يسألهم لمن هي هذه الأرض التي يستوطنها هؤلاء اليهود المغاربة والتي استبدلوا بها منازلهم في تنغير؟ وأين هم أصحابها الأصليين؟
لم يسألهم لماذا تركوا بلادا عاشوا فيها كما قال ثلاثة آلاف سنة ورضوا أن يسكنوا في بلاد مغتصبة بلاد لا زال أصلها مهجرين في المخيمات حيث الفقر والأمراض والخوف؟
لم يسألهم وهم الطيبون الوديعون لماذا يرضون بحمل جنسية دولة تقتل الأطفال وتغتصب النساء ويساهمون في اقتصادها ونموها الديمغرافي؟
أم تراه المسكين لم يطلع على هذه الحقائق؟ وهو الأرجح مادام تربى في فرنسا التي تجرم التعرض للكيان الصهيوني (معاداة السامية)، وتعاقب على مجرد التشكيك في المحرقة المزعومة رغم أنها بلاد قال فيلسوفها: “أنا أشك إذن أنا موجود”.
وكيف يمكن أن يفهم حقيقة عمله المسيء لدينه وأصله وقد تربى في المدارس العلمانية الفرنسية التي تلقن لتلاميذها أن فلسطين هي لليهود وأن الفلسطينيين هم المغتصبون؟
جهله هذا، منعه من أن يفهم الضجة التي أحدثها فيلمه، والوقفات الاحتجاجية ضده، وصرح بكل بلاهة أن: “هذا الأمر يدعو إلى التساؤل حول مجموعة من القضايا من بينها مدى إيمان البعض بأن المغرب متعدد الثقافات، فيه مواطنون من ديانة أخرى لهم الحق في التحدث عن مغربيتهم”، كما يرى أن اعتراض المغاربة على فيلمه المنحاز للصهاينة يطرح تساؤلات حول: “موضوع حرية الإبداع وحرية كتابة الحكايات التي نريد أن نحكيها دون طابوهات، لكن يبدو أن هناك أقلية صغيرة من المحافظين والشعبويين والديماغوجيين وأصحاب ردود الأفعال غير المحسوبة تدعو إلى فرض الرقابة على فيلم لم يشاهدوه”. الأحداث العدد4892.
الحقيقة هي أن هناك أقلية خادعة لأغلبية مخدوعة، أقلية مسنودة صوتها عال وأغلبية مقموعة لأنها ممانعة، فباسم الإبداع يشرعون المشاهد الجنسية وينشر الفساد، وباسم سينما الواقع يشيعون الكلام الساقط النابي ويجوزون كل الموبقات، وباسم التعدد الثقافي “يطبعون” مع الصهاينة ويتخلون عن قضية القدس، وباسم الحرية الفردية يدعون إلى اللواط ويشرعون الزنا، ويبيحون الخمر وكل هذا يدعم بالمال العام في توظيف خسيس للسلطة والنفوذ.
فمن يحمي المغاربة من بطش الإعلام والسينما بدينهم وأخلاقهم وأسرهم وهويتهم؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل