من يجيب الناس عن أسئلتهم بعد قرار إغلاق مدارس القرآن الكريم؟

مرت عقود من الزمن وأصوات الأطفال في أكثر من خمسين مؤسسة لتحفيظ القرآن ترتفع كل يوم إلى السماء، تردد آيات من الذكر الحكيم.

كل صباح تشرق شمسه دأبت النساء على إرسال فلذات أكبادهن إلى دور القرآن ليستكملوا تكوينهم بعد أن لفظتهم المدارس.
كل يوم وعلى مرِّ سنين عديدة ألفت آلاف النساء والفتيات أن يقصدن دور القرآن ليمحين عن أنفسهن وصمة الأمية، ويرفعن عن عقولهن غشاوة الجهل.
خلال أعوام كثيرة مضت اعتاد مَن يعيش بجوار دور القرآن أو من يمر بجانبها سماع أصوات الأطفال تلهج بالقرآن، تُذكر أن المغاربة لن يحيدوا عن القرآن والسنة، ولن يتنكبوا سبيلهما مهما علت أصوات الذين أقفرت قلوبهم من حبهما، وثقل على جوارحهم امتثال أحكامهما، وأظلمت نفوسهم من كثرة مخالفتهما.
وفجأة، ودون اكتراث بأحاسيس الآلاف من المواطنين المستفيدين والمنخرطين في الجمعيات المسؤولة عن دور القرآن، ودون اعتبار لآمالهم ولا لمستقبل المئات من العاملين في تلك المؤسسات تقرر السلطات بدم بارد إغلاق خمسين مقر لتحفيظ القرآن في العشر الأواخر من رمضان، الشهر نفسه الذي أنزل فيه القرآن في مشهد ينم عن استهتار كبير بمشاعر المغاربة المسلمين.
ألم يسأل الذين اتخذوا القرار أنفسهم إلى أين سيذهب مئات من أبناء المواطنين بعد إغلاق المؤسسات التي كانت تؤويهم وتربيهم وتعلمهم كيف يصبحون مواطنين صالحين، وتمنع وقوعهم في أحضان العصابات الإجرامية من مروجي الخمور والمخدرات ومحترفي الفساد؟
ألم يسألوا أنفسهم أين سيجد مئات المتفرغين للتدريس بتلك المؤسسات مناصب للشغل بعد إغلاقها خصوصا في زمن البطالة؟
وكيف سيتدبرون أمرهم وهم على مشارف عيد الفطر؟
لقد كان أغلبهم ينتظر العيد حتى يخرج زكاة فطره بكل افتخار واعتزاز، فلم تكتمل فرحتهم للأسف حيث أصبح حالهم كحال من يستجدي الناس زكاة فطرهم بقلوب منكسرة، ووجوه تعلوها ظلمة الحسرة، وقلوب ملؤها الصبر على قضاء الله، لأنهم تربوا في مؤسساتهم على الصبر على الجور والالتزام بالنظام والبعد عن الشغب والفتنة.
إن إغلاق دور القرآن في شهر القرآن خطأ يجب تداركه في أقرب وقت ممكن، فعار على بلد مسلم سني يدعي الانتساب إلى مذهب الإمام مالك أن يغلق دور القرآن وأن يشرد حملة القرآن وطلبته، والقائمين على مؤسساته.
كيف يمكن أن يفسر المعلمون في المدارس المغلقة لتلاميذهم وللمستفيدين من دروسهم أن دولتهم لا تحارب القرآن بقرارها إغلاق دور القرآن، وهم الذين صدعوا رؤوسهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول وجوب طاعة ولاة الأمور، والتزام جماعة المسلمين، ونبذ فكر التطرف والغلو؟
كيف يمكن أن يفسر القيمون على الجمعيات المغلقة لآلاف النساء المستفيدات من أنشطتها أن الدولة تعتبرهم فعلا من مواطنيها، وقد حرمتهم متعة التعلم ولذة الانعتاق من أغلال الأمية والجهل؟
من سيمنع الناس الذين أحسوا القهر والظلم من جراء إغلاق دور القرآن من أن يلتحقوا بصفوف من يروِّجون لفكر التكفير بدعوى أن حكامهم يطبقون أجندة أعدائهم، ويحاربون القرآن والسنة خصوصا بعد أن شاهدوا منظر لوحة جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة وقد رميت على الأرض والمؤذن ينادي لصلاة الجمعة “الله أكبر”.
فكيف بعد إهانة القائمين على القرآن ومنع آلاف المواطنين من قراءته وحفظه وإغلاق دوره، نأمل أن ينجح مشروع تأهيل الحقل الديني؟
ألسنا ندعي حكومة وشعبا أن القرآن دستور الأمة، وسر بقائها رغم استفحال داء الوهن في جسمها العليل؟
ألم تعلن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن المغرب يقتفي آثار سلفه الصالح؟
فليخبرنا إذاً معالي الوزير وهو أستاذ التاريخ متى أغلقت حكومة من الحكومات التي تعاقبت على الحكم في المغرب منذ فتحه المسلمون إلى يوم الناس هذا؟
دعونا نسترسل في التساؤل فنقول: ترى لو أقفلت حكومة الكيان الصهيوني مدارس التوراة ومؤسسات تدريس التلمود -وهي كثيرة جدا جدا-، ماذا كان سيصدر عن المجلس العلمي الأعلى لحاخامات “تل أبيب”؟ وماذا سيكون موقف برلمانيي حزب شاس وحزب الليكود؟ وكيف ستتصرف الجماعات “السلفية” الصهيونية =جماعات المستوطنين أصحاب اللحى الطويلة والضفائر المتدلية؟
أكيد أن الكل مجمع على أن الدنيا ستقوم ولا تقعد، وستتدخل أمريكا وأوربا وباقي القارات الخمس، وسيُسخر الحاخامات كل ما يملكه يهود العالم من وسائل وإمكانيات، وسيقف نبض العالم حتى يُنْتصر للتوراة والتلمود، ويُنتقم لأهلهما، لأن اليهود يعتقدون حقا وصدقا أن دين دولتهم هو”اليهودية” وأن دستورهم وسر وجودهم هو “التلمود”.
تلك أسئلة ستبقى مطروحة على كل من ساهم في اتخاذ قرار الإغلاق، ولن ينفع تجاهلها وتركها عالقة لأن هناك من يملك الأجوبة المعلبة ولن يعوزه الدليل ما دام الأمر يتعلق بمنع تحفيظ القرآن الكريم وإغلاق مدارسه.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *