..المغاربة عندما يطالبون بالديمقراطية يطالبون بحقهم في القضاء النزيه العادل، وبتقسيم الثروات بينهم بالعدل، وبمحاربة المفسدين والفاسدين ومحاسبتهم، فيختصرونها في كلمة “ديمقراطية” لأنه شاع بينهم أنها نظام يتوسل به إلى تحقيق تلك المطالب. ولا يدور بخلدهم أن من مقتضيات الديمقراطية كما يريدها العلمانيون في المغرب إقرار حقوق الشواذ وتنظيم الزواج بينهم بمقتضى الحرية الفردية، والسماح للمنصرين بإقامة الكنائس وتنصير المغاربة تحت مقتضى احترام حرية الاعتقاد، وعدم تجريم الزنا واحترام ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، واستحلال التبني نظرا لكثرة الولادات الناتجة عن ذلك، وتنظيم الدعارة وتقنينها، وإلغاء عقوبات الإعدام ولو في حق من قتل ألف نفس مؤمنة، وإلغاء القوانين التي تعاقب على شرب الخمر وبيعها للمغاربة، وإقرار المساواة في الإرث، وإقرار الزواج المدني، والقبول بزواج الكافر أو النصراني أو اليهودي بالمرأة المغربية المؤمنة.. وغير ذلك من الإجراءات والتدابير التي لا يستقيم للمغرب أن يكون ديمقراطيا إلا إذا اتخذها وأقرها وضمَّنها منظومة قوانيينه، فكل ما ذكرنا من مقتضيات الديمقراطية كما يريدها العلمانيون في المغرب يندرج ضمن مطالبهم الحقوقية التي يستقوون بالغرب العلماني ومنظماته للضغط على النظام في المغرب حتى يستجيب لهم.
مرَّ على فرض الحماية الفرنسية العلمانية على المغرب (30 مارس 1912م) قرابة المائة سنة إذ لم يبق على تمامها سوى تسعة أشهر ونصف، ولعل ما يمكن أن نسجله من مفارقات ونحن نسبح في بحر هذه المائة سنة أن العلمانيين في المغرب عندما يعملون على علمنة المغرب ومحاربة ما تبقى من معالم الهوية الإسلامية في قوانينه إنما يُتممون ما بدأه المحتل الفرنسي العلماني، فالمغاربة قاوموا الفرنسيين ليس لأنهم محتلين للأرض فقط، بل لأنهم لم يرضوا بحكم غير حكم الإسلام وشريعته، هذه الشريعة التي عمل المحتل على تقويضها وفصل المجتمع عنها وذلك بمحاربة القضاء الإسلامي الذي يعتمد على نصوص الشريعة والفقه الإسلامي، واستبداله بقضاء يحكم وفق قوانين وضعية علمانية.
لقد احتاج الاحتلال حتى يحكم مسخ هوية البلاد الإسلامية إلى بذل الآلاف من الأرواح من جنوده، وإلى سن الآلاف من القوانين، احتاج إلى أربع وأربعين سنة من التقتيل والتجويع والسجن والترهيب والنفي والتعذيب في حق المغاربة الأشاوس الذين استنكفوا أن يعيشوا في ظل حكم دولة علمانية كافرة، وذلك حتى يضمن استمرار استغلاله لبلادنا ولو بعد اندحاره. لكن أخطر ما قام به الغازي الحاقد هو تربية جيل من المستغربين من أبناء هذه البلاد الشريفة وتمكينهم من مراكز القرار في البلاد وبعد خروجه واصل دعمهم دون انقطاع.
فها نحن اليوم بعد أكثر من ستين سنة من اندحاره نرى مَن رباهم الفرنسيون ودعموهم ومولوا جمعياتهم ومؤسساتهم ومشاريعهم يناضلون بالوكالة عنهم لإقرار المزيد من العلمنة في المملكة الشريفة.
إننا اليوم ونحن نعيش هذا الصراع بين العلمانيين والإسلاميين على هوية البلاد نتذكر أولئك الذين تركوا الأبناء والزوجات والأمهات خلفهم وانخرطوا في سلك المجاهدين حتى لا تحكمهم القوانين الفرنسية، نتذكر القبائل المغربية المسلمة التي قدمت آلاف الشهداء من أجل أن تبقى راية الإسلام مرفوعة ولتستمر مقومات الهوية المغربية الإسلامية عزيزة منيعة.
نتذكر محمد بن عبد الكريم الخطابي وأباه، وموحا وحمو الزياني وعسو أوبسلام نتذكر أحمد بن محمد بن لحسن السبعي رحم الله الجميع وتقبلهم من الشهداء، نتذكر كل هؤلاء وغيرهم وقلوبنا تنزف أسى عندما نسمع رئيسة “بيت الحكمة” تصرح على مسمع ومرأى من علماء المغاربة وحكامهم: “أن الشريعة الإسلامية مجرد اجتهادات توقفت في قرون ماضية لم تساير العصر”.جريدة الخبر عدد 8.
إننا عندما نرى أن الجدال حاصل بخصوص مسودة الدستور الجديد حول تعويض عبارة “المملكة المغربية دولة إسلامية” كما هي في الدستور الحالي بعبارة المملكة المغربية بلد مسلم” نتذكر المؤامرة الكبرى على استئناف العمل بالشريعة الإسلامية غداة الاستقلال، وكيف أوقفت من غير إنذار سابق أعمال اللجنة التي أوكل إليها مهمة مطابقة القوانين التي خلفها المحتل مع الشريعة الإسلامية.
وحين نقرأ في جريدة الأحداث العلمانية أن: “الدولة المغربية وفق الدستور الجديد هي دولة مدنية لا يمكن للدين أن يكون فيها من أسس الشرعية”، نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة”. صحيح الجامع.
وحين تطالب منظمات وجرائد وأحزاب علمانية بإقرار سمو المواثيق الدولية العلمانية على الشريعة الإسلامية نتذكر قول ربنا عز وجل: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
إننا عندما نجول في فصول المائة سنة الفاصلة بيننا وبين فرض معاهدة الحماية/الاحتلال، نلمح معارك ضارية بين العلمانية والإسلام، همت بالخصوص ميادين التشريع والقضاء والتعليم والأسرة والاقتصاد والثقافة والإعلام، معارك هي بمثابة جولات لم يتغير شيء من مظاهرها سوى أنها كانت قبل تاريخ الاستقلال (02 مارس 1956) بين فرنسيين علمانيين ومغاربة مسلمين موحدين، مجتمعين على قلب رجل واحد مدافعين عن الدين والوطن رفعوا شعارهم الله/الوطن/الملك، في وجه فرنسا وعلمانيتها، فرمزوا باسم الجلالة “الله” إلى تطبيق شريعته سبحانه وامتثال دينه، ورمزوا بكلمة “الوطن” إلى الجهاد حتى جلاء المحتل الغاصب عن أرض المغرب المسلمة، و رمزوا بكلمة “الملك” إلى الحاكم المسلم أمير المؤمنين الذي يمثل رمز الأمة ووحدتها.
أما بعد 02 مارس 1956 إلى ما بعد 9 من مارس 2011 فالمعارك بين العلمانية والإسلام، تدور بين مغاربة أحرار جعلوا من الدفاع عن مقومات الهوية الإسلامية للمغرب والمغاربة قضيتهم التي يحيون من أجلها وعليها يموتون وبين مغاربة علمانيين أخذوا إرث الفرنسيين، غاظهم أن تبقى عبارة: “المملكة المغربية دولة إسلامية”، لأن مفهوم “الدولة” في القانون الدستوري يعني الأرض والشعب والحكومة/الحكم، فإذا بقيت كلمة “دولة” في الدستور الجديد إلى جانب كلمة “إسلامية” شكلت عائقا قانونيا يحول دون استكمال ملحمة العلمنة الشاملة للمغرب في مرحلة ما بعد إقرار التعديلات الدستورية.
كما أن تغيير كلمة “دولة” ذات المعنى الدستوري المذكور بكلمة “بلد” التي ليس لها المفهوم نفسه ولا القوة نفسها، سيسهل على العلمانيين الحصول على الإقرار برفع كل التحفظات التي أرفقها المغرب بمصادقاته على المعاهدات والمواثيق الدولية خصوصا تلك المتعلقة بالحق في تغيير الدين أي الردة، وحقوق الشواذ/اللواطيين والأسرة المكونة من مثليين (ذكر/ذكر) و(أنثى/أنثى) وغيرها من البنود ذات المفاهيم العلمانية المصادمة للدين الإسلامي وشريعته.
إذًا، نحن أمام معركة حقيقية من معارك العلمانية ضد الإسلام في المغرب، لذا على كل من يهمه أمر هوية بلاده أن لا يذخر جهدا في الحيلولة دون المزيد من العلمنة، وأن يكون حاضرا يوم الاستفتاء لقول “لا” وألف “لا” لدستور يمس بالهوية الإسلامية للمغرب، فالواجب علينا جميعا أن نطالب المسؤولين في البلاد أن يجنبوا المغاربة مغبة صراعات هم في غنى عنها، ستحول دون أي إصلاح وستدفع إلى المزيد من الانتهاكات.
إننا في الحقيقة اليوم في مسيس الحاجة إلى فتح نقاشات واسعة حول نوع “الديمقراطية” التي يريده المغاربة، وألا نترك أولئك العلمانيين المهووسين بالغرب وثقافته يجرون البلاد إلى الاقتتال والتناحر رويدا رويدا، فالمغاربة عندما يطالبون بالديمقراطية يطالبون بحقهم في القضاء النزيه العادل، وبتقسيم الثروات بينهم بالعدل، وبمحاربة المفسدين والفاسدين ومحاسبتهم، فيختصرونها في كلمة “ديمقراطية” لأنه شاع بينهم أنها نظام يتوسل به إلى تحقيق تلك المطالب. ولا يدور بخلدهم أن من مقتضيات الديمقراطية كما يريدها العلمانيون في المغرب إقرار حقوق الشواذ وتنظيم الزواج بينهم بمقتضى الحرية الفردية، والسماح للمنصرين بإقامة الكنائس وتنصير المغاربة تحت مقتضى احترام حرية الاعتقاد، وعدم تجريم الزنا واحترام ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، واستحلال التبني نظرا لكثرة الولادات الناتجة عن ذلك، وتنظيم الدعارة وتقنينها، وإلغاء عقوبات الإعدام ولو في حق من قتل ألف نفس مؤمنة، وإلغاء القوانين التي تعاقب على شرب الخمر وبيعها للمغاربة، وإقرار المساواة في الإرث، وإقرار الزواج المدني، والقبول بزواج الكافر أو النصراني أو اليهودي بالمرأة المغربية المؤمنة.. وغير ذلك من الإجراءات والتدابير التي لا يستقيم للمغرب أن يكون ديمقراطيا في نظر الغرب والعلمانيين إلا إذا اتخذها وأقرها وضمَّنها منظومة قوانيينه.
فكل ما ذكرنا هو من مطالب العلمانيين في المغرب ويندرج ضمن مقتضيات الديمقراطية التي يستقوون بالغرب العلماني ومنظماته للضغط على النظام في المغرب حتى يستجيب لها.
إن على العلماء سواء المنضوين تحت المؤسسات الرسمية أو العاملين خارجها وكذا كل من يملك لسانا حرا وقلبا مؤمنا من الأساتذة والمعلمين والإعلاميين وكل المواطنين الغيورين أن يعملوا بكل ما في وسعهم للتنديد بأي محاولة للمساس بهوية المغرب الإسلامية في الدستور الجديد، حتى لا ندع العلمانيين يخرقون السفينة فنغرق جميعا، كما على كل الفعاليات الإسلامية أن تبحث عن أرضية مشتركة مجمع عليها بين كل فصائلها للوقوف ضد محاولات العلمانيين الحثيثة للقضاء على ما تبقى من معالم الإسلام في المغرب، ولنتدبر جميعا قول ربنا سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل