التفاعل الإيجابي الذي عبرت عنه كل أطياف المجتمع المغربي ضد الناشط العلماني أحمد عصيد، ينم عن يقظة لهذا الشعب المسلم الذي يعمل العلمانيون ليلا ونهارا على هدم ما تبقى منه، والحيلولة دون رجوعه إلى مكانه الطبيعي والتاريخي من تدبير الشأن العام، في حين أسفرت عن فضح أسلوب العلمانيين الخسيس، حيث لا يقصرون في سب الدين والتنقص من أهله والاستهزاء بأحكامه وشريعته وتاريخه.
وإذا ما زل أحدهم وارتكب جرما أو موبقة كما فعل عصيد مع رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأمم في عهده بنعتها بالإرهابية، رأيتهم يتواطؤون على الكذب في صحفهم ومواقعهم، مظهرين أن الأمر ليس كما يصفه الغيورون على دينهم؛ مدعين أنه مجرد رأي لم يُقصد به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المشكل يكمن في تهويل السلفيين الذين لا يقبلون الرأي الآخر، وذلك حتى يختزلوا انتفاضة العلماء والجمعيات وكل الفعاليات الحية ضد جريمة عصيد، في مجرد رد فعل لأحد السلفيين، تضليلا منهم للرأي العام المغربي.
ولعلمنا أن العلمانيين لا يتورعون في الكذب على قرائهم وخداعهم لمن يستمع لهم نورد نص كلامه؛ قال عصيد: “المسألة الثانية هي: ضرورة إعادة النظر في تلك الإيديولوجية المؤطرة للمنظومة التربوية؛ التلاميذ في المقررات الدراسية الموجودة الآن يدرسون أمورا تتعارض كليا مع ما نتحدث عنه من قيم لحقوق الإنسان؛عندما تدرس لتلميذ الجذع المشترك في المقرر رسالة النبي محمد -التي هي رسالة تهديدية- “أسلم تسلم”، ثم تأتي فيما بعد لتتحدث عن حوار الأديان، وعن الحريات وعن كذا؛ هذا شيء متناقض.
الرسالة التي تدرس لتلامذتنا وهم في سن 16، هي في الحقيقة رسالة إرهابية: لأنها ترتبط بسياق كان فيه الدين ينشر بالسيف وبالعنف؛ اليوم المعتقد اختيار شخصي حر للأفراد؛ لا يمكن أن تدرس للتلميذ رسالة تقول إما أن تسلم وإما أنك ستموت. وتدرس على أنها من القيم العليا للإسلام: أنظروا كيف أن النبي تكلم مع ملوك ذلك الزمان وهددهم،كذا..هذا شيء غير مشرف.وهو موجود في منظومتنا التربوية”.شريط يتضمن مدخلته في مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
ولأن الأمر صار مكشوفا، وتحقق الذب عن جناب نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم من طرف العلماء والخطباء والجمعويين والشباب في شبكات التواصل الاجتماعي فإنني سأكتفي بتفنيد كذبة واحدة من مجموع كذبه وما أكثره، ثم أخصص كلمتي هذه في بيان أن إساءة هذا العلماني المتطرف لنبي الإسلام لم تكن الأولى.
أما الكذبة فهي تملصه من مسؤولية جريمته النكراء بادعائه أن الناس أساؤوا فهم كلامه، وأنه لم يتعرض قط لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى آخر كلامه الذي ينم عن المراوغة والجبن وضعف الحجة، فإذا كان عصيد يعتبر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مجرد نص تاريخي يراه يتعارض مع قيم الغرب التي يدعي كل العلمانيين أنها كونية، ومن ثمة وجب شطبها من مقررات التربية الإسلامية، فإن كافة المسلمين يعتبرون أن هذه الرسالة هي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يندرج ضمن سنته الشريفة التي لا يطعن فيها إلا عدو لله ورسوله، وعلماؤنا قاطبة على مر قرون الإسلام يعتبرون الطعن في سنة رسول الله طعنا فيه صلى الله عليه وسلم.
ثم ألم يكن صلى الله عليه وسلم يرسل رسائله إلى الملوك بأمر من الله سبحانه وبصفته رسول الله؟ الجواب نعم وبإجماع المسلمين، إذن فكل طعن في رسائله هو طعن في الله ورسوله، ولا داعي للنفاق الذي لطالما رمى به عصيد وإخوانه من العلمانيين المسلمين.
ولنكن أكثر منه حلما لا غفلة وجبنا، ونتساءل هل هذه هي الموبقة الفريدة والزلة الوحيدة التي يطعن فيها هذا العلماني المتطرف في القرآن والسنة وأحكام الإسلام وشريعته بتهمة الإرهاب؟
وللإجابة نورد مجموعة من النقول عنه من كلامه موثقة بمصادرها: فقد سبق أن صرح في مداخلة له خلال ندوة نظمها بيت الحكمة مساء الأربعاء 24 أكتوبر 2012 بالمكتبة الوطنية بأن: “شمولية الإسلام بالشكل الذي يتحدث عنها بعض علماء الإسلام في يومنا هذا فكرة إرهابية في بعض مناحيها”. هشام تسمارت/هسبريس.
كما صرح أيضا بكل وقاحة يسميها هو نقدا للإسلام ونصوصه في مقال له تحت عنوان (أسئلة الإسلام الصعبة) متسائلا: “لماذا يطالعك المسلم بالآيات الإيجابية ويخفي غيرها عندما يكون في وضعية دفاع، ثم يفاجئك بعد ذلك بنصوص إرهابية المحتوى بمجرد ما يصبح في حالة قوة؟” الجريد الأولى عدد506 الثلاثاء 12 يناير 2010.
إذا يتبين لكل منصف أن عصيد يؤمن إيمانا جازما أن نصوص القرآن والسنة هي نصوص إرهابية، ويعتبر أن المعضلة التي يعيشها المسلمون تكمن في نصوص دينهم، ويطالبهم من أجل حلها: “بالاعتراف بأن المشكل ليس في المسلمين فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه”. أسئلة الإسلام الصعبة الجريد الأولى عدد506 الثلاثاء 12 يناير 2010.
وحتى تكتمل حقيقة ما يدعو إليه عصيد وتعيها عقول المخدوعين فيه من إخواننا الأمازيغ وغيرهم من الذين يؤمنون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا رسولا، نورد المزيد من طعناته المسمومة التي يجهر فيها باحتقاره لأخلاق الإسلام المنظمة للعلاقة بين النساء والرجال وكذا لأحكام الإسلام من الحلال والحرام التي لا يعتبرها وحيا واجب الامتثال بل هي عنده من تقاليد بادية الحجاز القديمة، حيث قال: “إن بعض الأوامر والنواهي الأخرى تكاد تقتصر على مجتمع لم يعد قائما اليوم مثل الأخلاق المحددة للعلاقة بين الجنسين والتي تطابق نظام القوامة الحريمي والعديد من تقاليد بادية الحجاز القديمة، وترتبط بمبادئ الفقه الذكوري، وثقافة (وما ملكت أيمانكم)، ومثل ما يتعلق بالحلال والحرام في المأكولات والمشروبات والألبسة، ففي هذه الجوانب الكثيرة سيكون من الوهم محاولة فرض منظومة قيم جامدة ونهائية كيفما كانت مرجعيتها”. الأحداث المغربية عدد 3296بتاريخ 16 فبراير 2008.
إن على المخدوعين في عصيد إذا كانوا من المسلمين الذين يؤمنون بأن الإسلام دين ودنيا سياسة وعبادة صالح ومصلح لكل مكان وكل زمان وأن شريعته أسمآ من كل الأوفاق والمعاهدات والقوانين، أن يتأكدوا أنه على ملة غير ملتهم، وعلى دين غير دينهم، وحتى لا يتسرع أحد فيتهمني أني أكفره، -فهذا ما يتمناه هو وأصحابه- أعجل بإيراد كلامه الذي يطلب فيه منا جميعا أن نفهمه ونعيه: “متى يفهم المتشددون في الدين بأننا أحرار راشدون، وأننا نحب الحياة، وأننا لا نقبل أن يمارس أحد الوصاية على حياتنا، وأنهم أحرار في أن ينبذوا نمط حياتنا، وأن يكرهوا ما نحب، ولكنهم لا يحق لهم مطلقا أن يسعوا إلى حرماننا منه، لأننا لن نستطيع أبدا أن نحيا خارج الحياة، ولا نبصر في الظلمة فلهم دينهم ولنا دين”. الأحداث المغربية عدد 4053 بتاريخ 26 ماي 2010.
ونقول لعصيد لقد فهمنا هذا منذ زمن وحتى قبل أن تصرح، لكن نتساءل بدورنا متى يتحلى عصيد بشجاعة الرجال ويبتعد عن خداع المغاربة من خلال التظاهر بالدفاع عن حقوقهم وقضاياهم القومية، ويصارحهم بما يعتقده دون تقية أم يخاف أن ينفض عنه أغلب الآمازيغ الذين لن يستبدلوا العلمانية الوضعية الوضيعة بدينهم الرباني وعقيدتهم الحنيفية؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/ جريدة السبيل