في الأيام القلائل القادمة ستفتح مدارسنا وجامعاتنا أبوابها لاستقبال فلذات أكبادنا، كل أب وأم يؤملان أن يكون هذا العام أفضل من سابقه، لكن كل المؤشرات تدل على أن الأمر لن يختلف عن سابقه لأن المعضلة أكبر من أن تختزل في بضع إجراءات تتخذ من طرف المسؤولين عن قطاع التعليم.
فماذا ننتظر من تعليم لا يمر موسمه إلا وقد خلف قتلى في صفوف أطره على أيدي تلاميذهم؟
وماذا ننتظر من مؤسسات تعليمية أصبحت أبوابها أسواقا لترويج المخدرات وتعاطي الشيشة؟
وماذا سنجني من وراء تعليم قد فصل عن التربية؟
إن معضلة فشل التعليم ليس كل ما يعانيه المغرب، وإصلاحه لوحده لن يحل المشكلة لأن الناس في بلدنا الحبيب يعيشون كل معاني التيه، لم يعد لدينا شيء ثابت يمكن أن نستند إليه حتى نتمكن من إحراز توازن يمكننا من المضي في سبيل الإصلاح، الرشوة تضرب أطنابها في مختلف القطاعات، حوادث القتل والسرقة والنهب تملأ صفحات الجرائد كل يوم الفساد الأخلاقي أصبح السمة الغالبة على سلوك الكثير من المواطنين، الثقة انعدمت بين المسؤول والمواطن.
في بداية القرن المنصرم كان الإصلاح هو الذريعة التي سمحت لفرنسا بفرض حمايتها على المغرب، الذي كان يومئذ يشكو من قلة الأطر بل انعدامها في جملة من الميادين، واليوم وقد ملأت الأطر المتخرجة من كل التخصصات الشوارع المحاذية للبرلمان والوزارات تطالب بحقها في العمل، ما زال الإصلاح لم يحصل بعد.
لم تنفعنا لا فرنسا ولا أمريكا، بل الكل يعلم يقينا أن كل الدول الغربية إنما تبحث عن مصالح أبنائها في المغرب، ومع ذلك ما زال المسؤولون في بلادنا غير قادرين على بلورة خطة للإصلاح دون استشارت خبرائهم بل مشاركتهم، هؤلاء الخبراء الذين أثبتت التجربة عبر التاريخ أنهم لا يعملون إلا وفق مصالح بلدانهم، مما يكرس تبعيتنا لهم واستغلالهم لمقدرات بللادنا وشعوبنا.
إن بناء خطة كاملة للإصلاح لن يتم إلا إذا توفرت لدينا الجرأة على المصالحة مع هويتنا وديننا، فننبذ العلمانية بكل تجلياتها، حتى نخرج من هذا التيه المزمن الذي أفرزته اختيارات النخبة المتعلمنة بعد الاستقلال.
فالمغاربة سريعو الاستجابة إلى الخطاب المفعم بالدين المبني على الإيمان بالله واليوم الآخر، راغبون عن كل خطاب سياسي انتهازي يستميلهم ريثما يتسلق صاحبه على أكتافهم ليجلس على كرسي في البرلمان أو الوزارة، فهم في الوقت الذي ينفرون من الأحزاب السياسية تراهم يملئون المساجد رغم ضعف خطبائها.
فلماذا نترك ما يمكن أن يشرك الشعب كله في عملية الإصلاح، ونعتمد على تسويق خطابات لن تجمع حول منتجيها إلا من تتوق نفسه إلى كرسي ولاية أو صندوق خزينة، بينما يكثر سواد مؤتمراتهم مواطنون تائهون يحسبون كل ورم شحمة.
ألم يجتمع الناس وراء خطباء إضراب “كوميرا”، فمات الناس البؤساء وسجن التعساء وتولى المناصب السعداء بحلوقهم وحناجرهم؟ فلن ينسى المغاربة الضربات القوية التي كان المناضل الاشتراكي قبل أن يصبح وزيرا للمالية يزعزع بها قاعة مجلس النواب، وتلك الصرخات التي كان يستميل بها قلوب الفقراء، فلما تولى منصب وزارة المالية باع المغرب باسم الخوصصة التي تعتبر أهم وسائل الاستغلال الامبريالي وهو الاشتراكي الذي لطالما ندد بأمريكا والنظم الرأسمالية.
إن أي إصلاح لا يستند إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون من نصيبه الفشل، لأن المخرج من التيه/الضلال لن يكون إلا بالرجوع إليهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم”.
وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم
السبيل