حماية عقيدة المسلمين من الخرافية والعلمانية

 بدا واضحا من خلال ما تقوم به وزارة الأوقاف من إجراءات وتدابير أنها لن تبقي مكانا للتنوع والاختلاف في كل ما يتعلق بالشأن الديني، الأمر الذي برهنت عليه بإغلاق أكثر من خمسة وستين دارا للقرآن لمجرد اشتباه وزارتي الداخلية والأوقاف في كونها ذات صلة بصاحب فتوى زواج الصغيرة، بالإضافة إلى توقيف عدد كبير من الأئمة والخطباء.

لكن هذه الصرامة تتلاشى حين تسكت كل مؤسسات وزارة الأوقاف وتتعامل بأقصى مظاهر التسامح وقبول التنوع والاختلاف مع المنابر والجمعيات العلمانية التي تروج لأفكار ومعتقدات تناقض الثوابت، وتصادم كل أبواب المذهب المالكي، كما تضرب الذكر صفحا عن العري على الشواطئ والاختلاط في الإدارات وتتجاوز عن الربا والقمار وبيع الخمور، ولا تجرؤ على إنكار الرقص والموسيقى الماجنة والأفلام الداعية إلى الرذيلة، رغم أن كل ذلك يخالف مذهب وعقيدة وسلوك المغاربة.
كما تطلبت إستراتيجية وزير الأوقاف إحياء ما اندرس من الزوايا والأضرحة حتى تلعب دورها في المرحلة المقبلة، هذا الإحياء لم تواكبه أية خطة لتقويم ما تعرفه المواسم والزوايا والأضرحة من انحرافات عقدية وسلوكية لا يخالف حتى بعض الصوفية في مناقضتها للعقيدة السمحة للإسلام.
والغريب أن وزير الأوقاف بدل أن يقوم بمهامه في حماية عقيدة المغاربة من الانحرافات نلاحظه في الاستجواب الذي خص به جريدة الأحداث العلمانية، ينفي أن يكون أحد يشرك بالله في هذا العصر حيث قال: “وفي وقت من الأوقات عندما طغى المد الشعبي على التصوف، واتخذ نوعا من التعبير على هواجس الناس وعلى مشاعرهم، بدا للناس أن بعض مظاهره منافية للشريعة، خاصة فيما يتعلق بالوجد وأساليب التعبير الشعبي، وذلك ما جعل بعض المذاهب تعتبر التصوف شركا بالله، وفي الحقيقة لا أحد يشرك بالله في هذا العصر ولا أشرك به، لكن تقديس الناس لأصحاب هذه القيم الصوفية ذهب بالبعض إلى الظهور بمظاهر نظر إليها آخرون أنها بدعة تكاد تكون شركا”.
إننا لا نحكم على شخص بعينه أو جماعة أنهم مشركون، لكن يمكن لأي مسلم له دراية بعقيدة التوحيد أن يميز بين العمل الذي يوحد فيه الله، وبين العمل الذي يشرك فيه غيره معه، وغير خاف على كل مسلم أن أعظم ما أمر الله به التوحيد وأعظم ما نهى عنه الشرك، وأن كل الرسل جاؤوا لتصحيح عقيدة وعمل أقوامهم، ولخطورته حذر الله سبحانه أنبياءه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم وهم أبعد الناس عن الشرك فقال: “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” الزمر.
فربما حساسية الوزير من السلفية والسلفيين وعلمه أنهم يركزون على تصحيح العقيدة دفعاه إلى رفض حقيقة وجود بدع يقع فيها المسلمون في الزوايا والأضرحة، مثل الاستغاثة والاستعانة بغير الله، والذبح والنذر لغير الله والسجود عند القبر، والحلف بغير الله، وغيرها مما هو ديدن أهل التصوف وزوار الأضرحة، والغريب أن هذه البدع كانت محل إنكار من طرف جملة من فقهاء الصوفية أنفسهم.
إن إنكار هذه البدع ليست وهابية كما يحلو للبعض أن يسميها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: “من حلف بغير الله فقد أشرك” صحيح الجامع رقم 6204. فكيف يمكن أن نسكت عمن يستعين بالموتى في قضاء حوائجه، ومن يستغيث بهم في المصائب، ويحلف بـ”مولاي عبد السلام” أو “مولاي عبد القادر” تعظيما لهم وتقديسا؟
أليس من الواجب علينا أن نصحح عمله بما يتوافق مع هدي الإسلام؟ فالحلف والاستغاثة والاستعانة والنذر والدعاء والخوف والرجاء كلها عبادة لا يخالف أحد من الموحدين في كون صرفها لغير الله من قبيل الشرك.
إن أغلب المتتبعين مجمعون على أن إحياء الزوايا والأضرحة إجراء أملته استراتيجية وزارة الأوقاف في مواجهة المنهج السلفي الذي تعتبره دخيلا على المغرب رغم أن الأدارسة كانوا سلفيين وكذا المرابطين وأغلب ملوك المغرب خصوصا العلويين منهم، فكل البدع التي ذكرناها وغيرها كثير قد أنكرها السلطانان سيدي محمد بن عبد الله والمولى سليمان بل حتى مولاي عبد العزيز وأخيه المولى عبد الحفيظ والسلطان محمد الخامس كلهم كانت لهم مواقف سلفية أنكروا فيها البدع ودعوا إلى نبذ الخرافة والدجل.
إن على وزارة الأوقاف والمجالس العلمية وكل من يشتغل في الدعوة إلى الله أن يولي تصحيح عقيدة المسلمين وتخليصها من البدع والخرافات بالغ اهتمامه، فهي وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
كما يجب على وزارة الأوقاف أن تتصدى إلى ما يروجه العلمانيون من أفكار مادية تقطع الصلة بين الخالق والكون، وتفصل الدين عن السياسة وتعتبر التدين والغيب رجعية وتخلفا، فذلك لا تقل خطورته عن شرك القبور، فقد رد الله سبحانه على ملاحدة الفلاسفة من الدهريين حيث قال: “وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ” الجاثية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *