ضرورة إعادة النظر في الثقافة الكونية من أجل العودة إلى مقومات الهوية

لقد علم الساسة والجنرالات في الكيان الصهيوني أنهم مهما دمّروا ومهما قتلوا ومهما شردوا، فلن يحرك الحكام العرب ساكنا، لأنهم أوثقوهم بمعاهدات السلام التي لم توفر الأمن إلا للإنسان الغربي، وملئوا صناديقهم بالقروض الربوية المشروطة التي لم تزد الدول إلا فساد وتخلفا، واخترقوا نخبة شعوبهم بثقافة علمانية مسمومة ترى في كتاب ربها سببا للإرهاب والتطرف، وتروم استبدال شريعة الأمم المتحدة بشريعته، وأحسب أن هذا ما دفع وزيرة خارجية الكيان الصهيوني إلى التصريح أن:

“إسرائيل قررت أن تتحمل مسؤوليتها بشن حرب لسلامة مواطنيها، وأن تتصرف ضد الإرهاب، وأنا لم أطلب الإذن ببدء هذه العمليات العسكرية، ولكن أريد أن أقول ما يلي:
– إن هذه أهم رسالة إلى العالمَين الإسلامي والعربي بأسرهما، نحن كافة لدينا ذات المصالح، و نحن نريد أن نتعامل مع هؤلاء الذين يريدون العيش في المنطقة بسلام، و يؤمنون بإرساء دولتين لشعبين كنتيجة وحل للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، أولئك الذين يريدون أن يعيشوا بسلام، يريدون أن يواجهوا تحدي الإرهاب والتطرف، حماس تمثل الإرهاب والتطرف والحرب.
– ومن الناحية الأخرى لدينا هذا المعسكر من هؤلاء الذين يؤمنون بالسلام ويريدون أيضا إرساء رؤية دولتين، ونحن يمكن أن نعمل في العالم العربي مع أولئك القادة الذين يعرفون أن حماس تمثل فقط الكراهية والإرهاب”. مقتطف من حوار بث عبر قناة الجزيرة
باستصحاب أثر معاهدات السلام، والقروض وهيمنت العلمانية على الأنظمة يمكننا أن نستخلص من هذا التصريح الرسمي للوزيرة ما يلي:
1 – أن المقاومة الإسلامية في فلسطين تعد في نظر الكيان الصهيوني إرهابا، بينما تعتبر حركة فتح العلمانية محبة للسلام والتعايش ومثالا للاعتدال، هذا في الوقت الذي يحرس الجيش الصهيوني المستوطنين المتطرفين أصحاب الضفائر واللحى حتى لا ينال منهم الأطفال الفلسطينيون.
2 – أن الكيان الصهيوني شنَّ هذه الحرب ضد فلسطين لمحاربة الإرهاب كما شنت أمريكا الحرب على أفغانستان والعراق وأنشأت معتقل “غوانتنامو” للغرض نفسه وهو محاربة الإرهاب.
3 – أن الكيان الصهيوني موقن أن الدول العربية أصبحت تنظر إلى كل مقاومة إسلامية على أنها إرهاب، لهذا تطلب من الذين يؤمنون بالسلام ولا شيء سوى السلام أن يواجهوا تحدي الإرهاب أي المقاومة الإسلامية.
4 – أن الصراع حول فلسطين والقدس قد تطور من صراع إسلامي/يهودي، إلى صراع عربي/يهودي، ثم إلى صراع فلسطيني/يهودي، وذلك حتى يستفرد الكيان الصهيوني بالشعب الفلسطيني المسلم.
5- أنه يجب على الدول العربية حتى لا تنعت بالإرهاب، أن تكون كل مواقفها متماشية مع قيم التعايش والتسامح التي لا تعترف بمقاومة أو جهاد أو ممانعة، ولو اغتصبت أراضيها واستبيحت أعراض رعاياها، وعليها أن تقبل بحق الدول الكبرى المنشئة للأمم المتحدة في الاحتفاظ لنفسها بالأسلحة النووية وحق الفيتو، وحق الاعتراض على ما تشاء من الاتفاقيات الدولية ما دامت لا تخدم مصالحها، كما عليها أن تتبنى دون تحفظ مقومات الثقافة الكونية ثقافة الإنسان الغربي بدل ثقافة الهوية الإسلامية التي تذكي روح المقاومة لأي تدخل أجنبي.
5- أن الحرب على الإرهاب الذي بدأتها أمريكا بمشاركة الدول الأوربية كانت من أجل تهييئ العالم لقبول نعت كل حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وبقية البلدان الإسلامية المحتلة بكونها حركات إرهابية.
من خلال هذه الاستنتاجات السريعة يتراقص السؤال حول الدافع الذي جعل الوزيرة متأكدة من تأييد المعسكر الذي يتكون “من هؤلاء الذين يؤمنون بالسلام، أولئك القادة الذين يعرفون أن حماس تمثل فقط الكراهية والإرهاب” لطرحها الاستراتيجي في قبول الحرب على غزة.
لقد علمت الوزيرة الصهيونية أن دعاة الثقافة الكونية في البلاد الإسلامية لا يرون في الصهيوني عدوا، وذلك لأن هذه الثقافة تمنع التمييز بين الناس على أساس الدين، وبالتالي يغيبون البعد الديني في الصراع حول فلسطين والقدس، ويعتبرونه مجرد صراع بين شعبين، ولعلمها أن تلك الثقافة لا يمكن أن تبعث في قلوبهم الحمية الدينية أو العرقية، ومن ثم سيقتصرون على الدعوة إلى الحوار والمفاوضات مهما قتل من الأبرياء ومهما شرد من المسلمين، لأن الثقافة الكونية التي تسوق لها أمريكا وأوربا والصهاينة لا مكان فيها إلا للالتزام بالسلام والدعوة إلى السلام مع الاحتفاظ دوما لأنفسهم بحق امتلاك أسلحة الدمار الشامل لإخضاع من يشاءون، وحق “الفيتو” للاعتراض على كل القرارات التي لا تخدم مصالحهم.
ويبقى المسلمون بين نخبتهم التي تدعوهم إلى السلام وبين أسلحة الغرب التي تفتك بهم في مشارق الأرض ومغاربها.
فلا ندري ما هذه البلادة التي تكتنف عقول دعاة الثقافة الكونية في بلداننا، ألم تصل حماس إلى الحكم عن طريق الديمقراطية التي هي لب الثقافة الكونية؟ فلماذا تقفون منها موقف الخائف، ولماذا يقصفها الكيان الصهيوني؟
السبب هو أنها وصلت إلى الحكم بالديمقراطية، لكنها ما زالت تحمل معها ثقافة الهوية، إذا فهي تستحق القتل والتنكيل، لأنها خرقت قانون اللعبة الذي لا يسمح لمن يريد اللعب أن يحتفظ بمقومات الهوية خصوصا الدين وبالأخص الإسلام، فحزب “الليكود” وحزب “شاس” هما حزبين صهيونيين مؤسسين على الدين التلمودي الصهيوني ورغم ذلك تتسع لهما اللعبة الديمقراطية والحزب الصليبي “المسيحي” في إيطاليا تتسع له اللعبة لكن في البلدان الإسلامية يقف العلمانيون بالمرصاد لكل من يشمُّون فيه رائحة الإسلام، فهم علمانيون أكثر من الفرنسيين والإيطاليين واضعي الأسس العلمانية.
وأخيرا نهمس في آذان العلمانيين في بلداننا، ألا فلتستحيوا بعد مذبحة غزة أن تدعونا إلى ثقافة الأوربي والأمريكي ولتكفوا ألسنتكم عن الطعن في مقومات هويتنا فهي آخر ما تبقى من منابع الممانعة والمقاومة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *