ربما كان عنوان كلمة هذا العدد متناقضا أشد ما يكون التناقض، وربما كانت دلالات كلماته متنافرة أشد ما يكون التنافر، فالعَلماني مناقض للإسلامي معادٍ له، والإصلاح جزء من تكوين الإسلام وغاية رسالته، بينما العَلمانية غريبة عن مادته وماهيته، فما سبب هذا التناقض إذن، ما دام لا رابط بين الإصلاح والعلمانية، ولا جامع بين الإسلامي والعلماني؟
ربما يجد هذا الخليطُ الهجين المتناقضِ العناصر تفسيره في طغيان الهجنة التي أصبحت سحنة جل الأشياء في هذا العصر، وربما كان تركيبه المتنافر إنعكاسا لأوصاف سنين هذا الزمان الخداعة، المطابقة لما تنبأ به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى حين قال: “إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق ويُؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.
قيل: وما الرويبضة؟
قال السفيه يتكلم في أمر العامة” صحيح.
فمتى كان الصدق من أوصاف الخائن؟
وهل تجد الخيانة مكانا في قلب تملؤه الأمانة؟
ومتى يجرؤ السفيه على التكلم في أمر العامة؟
لا يكون هذا إلا في زمن اختلت فيه الموازين.. زمن الرويبضة..
زمن تتكلم فيه غانيات نصارى لبنان عن دماء فلسطين والقدس بينما يسعى قادة الدول الإسلامية إلى التطبيع مع الصهاينة، زمن يقف فيه السفهاء ليقولوا في وجه العلماء أن أسباب الإرهاب تكمن في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوات ومعارك، وفكر التطرف مستمد من آيات القرآن التي تحض على الجهاد، وتصنف الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق.
زمن الرويبضة، هو الزمن الذي يروَّج فيه لحرية الردة وحقوق الشواذ والسحاقيات على الشاشات التلفزية وصفحات الجرائد الوطنية، بينما ينكر الحجاب والشريعة وأصول الإيمان بكل وقاحة.
زمن الرويبضة هو الزمن الذي يضطر فيه الرجال الأمناء الأحرار والنساء الأمينات الشريفات إلى أن يقرؤوا في صحافة تأخذ الدعم المالي من الضرائب المفروضة عليهم مثل عبارات من هذا القبيل:
– “لقد أكد العديد من الفقهاء والمؤرخين على أن النقاب ليس من الإسلام في شيء فهو لباس قديم استعمل في العديد من الحضارات المتشددة المحافظة التي لا تعترف بإنسانية المرأة”. جريدة الأحداث العدد 3378
– “رمضان شهر النفاق” مجلة نيشان العدد82
فكيف أصبح شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شهر نفاق؟
وكيف صار لباس زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين وبناته الطاهرات وكافة نساء المؤمنين في زمن نزول الوحي وخلال أكثر من 14 قرنا، لباسا غريبا عن الإسلام؟
إنه زمن اختلال الموازين.. زمن الرويبضة.
وفي الوقت الذي تتطاول فيه الصحافة المشبوهة على الإسلام نراها تدافع عن مغنية مغربية الأصل فرنسيةِ التربية، وتتهجم على من عاتبها عن مشاركتها في سهرة داخل الكيان الصهيوني بمناسبة مرور ستين سنة على تأسيسه أي ستين سنة على احتلال فلسطين والقدس الشريف وذلك من خلال مقال لأحد كتابها جاء فيه:
– “ما الذي فعلته صوفيا بالتحديد؟ صوفيا السعيدي شاركت في احتفالية إسرائيل بمرور ستين سنة على تأسيسها..شاركت في سهرة وجَّه اللوبي اليهودي المسيطر على المشهد الغنائي في فرنسا وفي العالم بأسره دعوة لها لحضورها.. علينا اليوم أن نتعلم احترام القناعات الفردية لكل واحد منا”. جريدة الأحداث ع 3397.
هذه هي صحافة العلمانيين ومواقف كتابها ومثقفيها “الإصلاحية” من الإسلام وأهله، أما ركائز “الإصلاح” فهي الانفتاح اللامحدود، والتعايش اللامشروط، مع اليهود والنصارى والبوذيين والشواذ والسحاقيات، وأن ترى من يزني على قارعة الشارع فلا يتمعر وجهك، وأن تسمع من يدعو إلى الإلحاد والكفر فلا تنكر ذلك ولو بقلبك، لأنه علينا اليوم كما تقول صحافة “الإصلاح” العلماني أن نتعلم احترام القناعات الفردية لكل واحد منا.
وحتى نعلم حقيقة هذا “الإصلاح” الذي تتولى الدعوة إليه الأبواق العلمانية، وحتى ندرك الدور الذي يؤمل من الإعلام المغربي أن يلعبه في التأثير على شعوب إسلامية أخرى، بعدما نجح في دوره داخل المغرب الإسلامي نستمع إلى المتحدث باسم الحكومة البريطانية (باللغة العربية) “جون ويلكس” وهو يتحدث عن المغرب والإعلام المغربي: “المغرب ومنذ فترة، كان دولة رائدة في الانفتاح، خاصة ما يرتبط بحرية الصحافة والإعلام، لهذا نريد أن يكون تأثير المغرب على الدول العربية الأخرى تأثيرا إيجابيا، وليس العكس”. جريدة الوطن الآن العدد: 291
فيا ترى ما مفهوم الانفتاح الذي أشاد به المتحدث باسم الحكومة البريطانية صاحبة وعد “بلفور”، وما نوع التأثير الذي تؤمله بريطانيا من الإعلام المغربي؟
أكيد، أنه لن يختلف هذا الانفتاح ولا ذلك التأثير عما تريده بريطانيا إلى جانب أمريكا من العراق وأفغانستان، إلا أن الأمر هناك استدعى الأسلحة وإراقة الكثير من الدماء، بينما في المغرب لا يتطلب الأمر سوى الأقلام والكثير من المداد.
وما يوحد بين الوسيلتين هو أنها صانعة تلك الأسلحة وهذه الأقلام.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
السبيل