هل نحن جادّون في دعوة المتطرفين إلى الاعتدال والوسطية؟

عندما شنت الولايات المتحدة الأمريكية حملاتها العسكرية على البلدان اللامتحدة الإسلامية بدعوى محاربة الإرهاب، طالب العديد من المحللين والمراقبين والمتضررين بضرورة أن يتم تحديد مفهوم للإرهاب، قبل القيام بأي عمل عسكري ضد أي دولة، ومنذ سنة 2001 إلى الآن لم يتم ذلك.
ولإدراكها جيدا أن ما تعتبره هي إرهابا يعتبره غيرها مقاومة، لجأت الدول الغربية إلى صناعة مفاهيم أخرى لمصطلحات يتم من خلالها تحديد مفهوم التطرف والإرهاب، كمصطلحي الاعتدال والوسطية، بل وصل الأمر بأكبر مركز للدراسات الإستراتيجية “راند” إلى وضع 11 سؤالا تطرحها الإدارة الأمريكية على الأشخاص أو الجماعات حتى تعرف إن كانوا معتدلين أو متطرفين.
فوفق تلك الأسئلة لن يكون الإنسان معتدلا إلا إذا توفرت فيه شروط أهمها:
– ألا يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلاده.
– أن يؤيد حقوق الإنسان المتفق عليها دولياً بما فيها من زواج الشواذ والسحاقيات وحرية الزنا والشذوذ.
– أن يقبل بأن يتولى أحد الأفراد من الأقليات الدينية مناصب سياسية عليا في بلاده ذات أغلبية مسلمة.
– أن يؤمن بحرية الارتداد عن الدين.
-أن يؤمن بوجوب وجود خيارات لا تستند للشريعة بالنسبة لمن يفضِّلون الرجوع إلى القوانين المدنية ضمن نظام تشريع علماني.
– أن يؤمن بحق أعضاء الأقليات الدينية في بناء وإدارة دور العبادة الخاصة بدينهم (كنائس أو معابد يهودية) في دول ذات أغلبية مسلمة؟
إن القارئ للائحة أسئلة اختبار الاعتدال، يدرك على الفور أن تعريف الاعتدال بالمفهوم الأمريكي لا يعبر إلا عن المصالح الأمريكية الهادفة إلى علمنة المسلمين بعدما نجحت في علمنة أغلب الأنظمة.
فمن توفرت فيه الشروط المذكورة كان علمانيا خالصا، ومِن ثم يتبيَّن أن الحرب الأمريكية على الإرهاب ما هي في الحقيقة إلا حرب على الأنظمة العربية التي مازالت تطبق الإسلام حتى تتبنى العلمانية، وعولمة للمفاهيم الأمريكية التي تخدم سياساتها الامبريالية الاستغلالية والمدمرة لكل دعائم المقاومة وخصائص الهوية لدى المسلمين.
إننا إذا أمام إعادة تعريف لمفهوم الاعتدال داخل المجتمعات الإسلامية بحيث أصبح لزاما علينا ألا نستند في تعريفه من الآن فصاعداً إلى مبادئ وسطية الإسلام، بل علينا إذا كنا نحب أن ننعت بوصف الاعتدال أن نؤمن بمجمـوعة من المسلَّـمات الغــربية التـي تُـقدَّم لنا على أنها متعارف عليها دوليا، وليس بعيدا أن تتبناها منظمة الأمم المتحدة وترتب على مخالفتها عقوبات دولية.
لقد سبق أن تبنت أوربا وأمريكا حقوقا تستجيب لقناعات شعوبهم التي حاربت دينها وحبسته داخل الكنيسة، فحقوق الإنسان كما هو منصوص عليها إنما هي حقوق للإنسان الأوربي والأمريكي تفرض قسرا على الشعوب الإسلامية.
فأغلب الشعوب الإسلامية تطالب حكامها بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تعتبرها إعلانات حقوق الإنسان شريعة وحشية لأنها تنص على قطع يد السارق وجلد الزاني، لذا فإن من يؤمن بتطبيقها ويرفض فصل الدين عن الاقتصاد والسياسة والاجتماع هو في نظر الغرب متطرفا لا يمكن نعته بالاعتدال.
إن المسلم يؤمن بأن إمام المعتدلين وأنموذج الوسطية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتطبيقه صلى الله عليه وسلم للحدود كان وسطية واعتدالا وهاته كتب السنة كلها تنص على أمره صلى الله عليه وسلم برجم الزاني المحصن وقتل من بدَّل دينه، وكان يأمر بإعفاء اللحية وارتداء الحجاب وينهى عن مصافحة النساء والخلوة بهن وحرم الزنا واللواط، فهل يطلب من المسلمين اليوم حتى يكونوا معتدلين أن ينظروا إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم على أنه تطرف؟ حاشاه ثم ألف حاشاه.
فأمام هذا التناقض الواضح بين المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وما يحاول الغرب وأمريكا فرضه علينا من مفاهيم -أسسوها خصوصا لكسب حرب فكرية ستحدد مصير حروبها العسكرية المتعددة في بلدان الإسلام-، تُلح تساؤلات مثل:
ماذا ستجني الدول الإسلامية من خوض حرب على الإرهاب سيكون أول قتلاها من أبنائنا؟
وكيف يمكن أن نقف صفا واحدا بجانب أمريكا في حربها على الإرهاب إن كان الكثير مما تعتبره هي غلوا وتطرفا هو عند المسلمين من صميم الإسلام؟
إن وضع مثل هذه الأسئلة لا يعني الدفاع عن التطرف بحال فالتطرف مرفوض ولا يخدم إلا الأعداء، وإنما هو دعوة إلى التريث، وإعمال العقل لمعرفة كيف يفكر الغرب، فالدول الغربية التي وضعت منظمات حكمت من خلالها العالم وفق مصالحها، وأسست لقوانين سمتها دولية حتى تضمن استمرار قوتها وهيمنتها على مقدرات العالم، واحتفظت بحق النقض “الفيتو” حتى تعاقب من تشاء وتمنع معاقبة من تشاء، لا يمكن أن تكون موضع ثقة المسلمين.
لذا وجب علينا أن نهتم بانعكاسات أي قرار يمكن أن نبرمه بخصوص الحرب ضد التطرف والإرهاب حتى لا نزيد من حدته فنصبح من النادمين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *