تدخل الدين في السياسة ممنوع وتدخل السياسة في الدين واجب!!

حضرت كما حضر غيري من المغاربة المؤمنين صلاة الجمعة الأخيرة، وتابعت الخطبة التي كانت موحدة على الصعيد المغربي والتي تمحورت حول أهمية احترام قانون السير وضرورة مراقبة أجهزة السيارة واحترام إشارات المرور.

وأعجبني كثيرا ربط احترام هذا القانون بالمسؤولية الدينية للفرد حتى نحد من ضحايا حرب الطرقات.
وقلت هذه خطبة تسهم في التقليل من المخالفات المتعلقة بالسير على الطرقات أكثر مما سيكون لمدونة السير التي تقدمت بها وزارة النقل والتي اعتمدت على العقوبات الحبسية والغرامات المالية فقط.
إلا أنني كنت وأنا أستمع إلى فقرات الخطبة، أنتظر متى يُعرِّج الخطيب على ذكر أثر الخمر والمخدرات في ارتفاع معدل حوادث السير وما ينتج عنه من إزهاق للأرواح البريئة نظرا للارتباط المباشر لتعاطي الخمر والمسكرات بأحكام ديننا الحنيف.
وعندما اختتم الخطيب كلامه بالدعاء أحسست بخيبة أمل كبيرة وقلت في نفسي: قبح الله السياسة!! لقد أثر هاجسها على من دبج الخطبة الموحدة فمنعه من أن يتطرق لأهم الأسباب المباشرة في إزهاق الأرواح سواء على الطرقات، أو في غيرها من الأماكن.
وتذكرت هاجس السياسة عندما أثر على علمائنا بالمجلس الأعلى العلمي عندما ردوا على القرضاوي حين اعتبر ظروف المغاربة مثل ظروف الأقليات المسلمة في بلاد الكفر فأجاز لهم الربا، حيث ردّ عليه العلماء ونبزوه وحقروه، دون أن يستطيعوا مناقشته في موضوع الفتوى أو على الأقل بيان الحكم الشرعي للمواطنين.
إن هذا الهاجس السياسي الذي يمنع العلماء من أن يتطرقوا إلى معلوم من الدين بالضرورة ناتج عن الالتباس الحاصل بين الحدود الوهمية بين الدنيا والدين والتي فرضها الاتجاه العلماني المستحوذ على مراكز القرار، وكذا النفوذ الهائل الذي يتمتع به اللوبي الاقتصادي الأجنبي في بلادنا، مما يحتم احترام مصالحه ولو كان ذلك على حساب ديننا وهويتنا وأخلاقنا.
فما الذي يمنع العالم أو خطيب الجمعة من أن يبين حكم الله في الربا والقمار؟
أليس ما يَدُرَّانِه على أصحابهما من ملايين الدراهم وما تستفيده الدولة من رسوم وضرائب؟
إذاً فالسياسة هنا أقصت الدين من تأطير سلوك الفرد وفق الأوامر الإلهية وأوجبت على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن يشدد على المرشدين والقيمين الدينيين والعلماء أن يلزموا الصمت في القضايا التي تمس النظام العام كالسياسة والاقتصاد، وما دام القمار والخمر والربا يعتبر من أهم المصادر الجبائية لخزينة الدولة فيعتبر الكلام فيها من التدخل في المسائل التي تهم النظام العام.
بهذا يكاد يصبح الخطيب أداة بيد الوزارات تحركه متى شاءت، فعندما احتاجته وزارة النقل تحدَّث عن إشارات المرور، وعندما احتاجته وزارة الصحة تحدث عن مادة “اليود” وكلنا يتذكر كيف نودي على مدير الشؤون الإسلامية على القناة الثانية خلال السهرة التي خصصت لجمع التبرعات لمكافحة “السيدا” “sidaction” والتي كانت علمانية بامتياز ليزكي للقائمين بها استعمال العوازل الطبية فلم يستطع بيان المقاربة الإسلامية لمكافحة السيدا وإبراز مفهوم العفة الإسلامي وكيفية تصريف الشهوة من منظور إسلامي.
وعندما ستحتاج وزارة التعليم بدورها إلى الخطيب أو العالم فسيتحدث عن طلب العلم في المدارس، في حين لا تستطيع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن توحد خطبة تحث المواطنين على الاهتمام بطلب العلم الشرعي ولو حفظ القرآن فقط.
من هنا يتبين للأسف وبدون أدنى شك أن وزارة الشؤون الإسلامية أصبحت في خدمة باقي الوزارات، بينما لا يستطيع علماؤها أن يمارسوا أدنى رقابة على الحكومة، أليست هذه هي العلمانية في أقبح ممارساتها الديكتاتورية ضد الدين وعلمائه.
أليس من العار والظلم والهوان أن يفسح المجال للمغنيين والمغنيات، والراقصين والراقصات، والرياضيين والرياضيات، والصحفيين والصحفيات، وكل المواطنين والمواطنات، أن يمارسوا أنواعا من الرقابة على السياسيين وأن ينتقدوا عمل الحكومة والبرلمان في حين يبقى الصنف الوحيد الذي يُحرَّم عليه فعل ذلك هم العلماء؟
فكيف إذا والحالة هذه سيتمكن العالم والمرشد الديني والخطيب من تأطير الحقل الديني؟
أليس هذا من الأسباب التي جعلت الناس يبحثون عن أحكام دينهم عبر الفضائيات الشيء الذي يغيض وزير الشؤون الإسلامية.
ألا نخشى عندما نسمح للسياسة أن تتدخل في الدين وتؤطره، ونمنع الدين من أن يتدخل في السياسة ويؤطرها، أن ينطبق علينا وقتها قول ربنا عز وجل:{وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}الأنعام؟
فهلا أوبة قبل الفوات.

السبيل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *