الصحراء درع المغرب وسند لنهضة إفريقيا محاولة الغرب تطويق المغرب للنفوذ لإفريقيا ذ. إدريس كرم

لذلك نقول بأن استرجاع المغرب صحراءه ليس من مصلحة المغرب فقط والمنطقة المجاورة وإنما من مصلحة إفريقيا خاصة دول الساحل والصحراء التي أطبق عليها الاستعمار والكنيسة وحوَّلها لضيعة ومختبر ومكب للنفايات السامة، وهذا ما يجعل بعض المؤسسات لا تفتأ ترفع عقيرتها بالصياح هنا وهناك كما كانت يفعل رواد الاستعمار مع المغرب في القرن التاسع عشر، لكن خاب مسعاهم كما يخيب الآن.

كانت رغبة الحركة الاستعمارية شديدة للدخول لإفريقيا عن طريق الشاطئ الصحراوي شدية، لكنها اصطدمت بالمغرب الذي لم تكن تعرف لا حدوده ولا إمكانياته العسكرية وآليات استجماع قوته، كل ما كانت تعرفه هو أن هناك قوات مغربية برية وبحرية تواجهها حيثما أراد تجارها النزول للساحل، مما جعل بعض الكتاب الفرنسيين يقول بأن حدود المغرب لا نهاية لها في إفريقيا، بعدما وجد قبائل جنوب الصحراء الكبرى تدين بالولاء لسلطان المغرب وتدعو له في صلاة الجمعة والأعياد.
وهو ما جعل وزير إسبانيا بطنجة “ديو سضادو” يطلب في رسالة وجهها لمولاي الحسن يطلب منه فيها معرفة حدود المغرب الجنوبية، كما أن الفرنسيين بعد احتلال الجزائر 1830 عملوا من أجل الوصول لمياه الأطلسي عن طريق الصحراء جنوب جبال الأطلس، فلم يستطيعوا وبقيت قواتهم في السنغال في مرمى المجاهدين المغاربة سكان الساقية الحمراء وواد الذهب، هؤلاء السكان الذين صعدوا شمالا لطرد الفرنسيين من الشاوية ومنعهم من التقدم لفاس واحتلال مراكش وأكدير بعدما منعوا من إقامة مراكز على الساحل الغربي في سنوات 1764 و1875 و1876 و1879 و1884 و1895 كل ذلك قام به ساكنة الصحراء بدعم من سلاطين المغرب وقوادهم التاريخيين والعلماء المجاهدين الذين رفضوا كل صنوف الإغراءات التي عرضت عليهم من قبل طلائع المستعمرين النصارى الذين كانوا لا يطلبون فقط تصريف بضائعهم؛ وإنما كانوا يريدون نشر حضارتهم المسيحية من أجل استرداد المجد الروماني في شمال إفريقيا والنفود لإفريقيا من بوابة الصحراء.

من ميناء آصاك في قبيلة تكنة في عهد الحسن الأول إلى ميناء الداخلة في عهد محمد السادس
لم يكن الإعلان عن إنشاء ميناء الداخلة من قبل العاهل المغربي في الذكرى الأربعينية للمسيرة الخضراء إلا تحصيل حاصل للعلاقة التاريخية بين المغرب وعمقه الإفريقي، كما أنه يذكِّر بالميناء الذي أمر المولى الحسن إقامته بالساحل الأطلسي لتنشيط التبادل التجاري بين الداخل الإفريقي والساحل الأطلسي لقطع الطريق على الأحلام التوسعية الاستعمارية في القرن التاسع عشر.
جاء في رسالة له لقواد آيت باعمران عام 1299هجرية:
فقد اقتضت المصلحة فتح مرسى بحدود بلادكم وبلاد خدامنا قبيلة تكنة سيدي بوزيرك أو بالمحل المسمى بآصك ليسهل عليكم تعاطي البيع والشراء فيها لبعد مرسى إيالتنا عنكم ولحاق المشقة لكم في سفركم لها.
لمّا ورد على حضرتنا أعيان قبيلتكم، ووقع معهم الكلام في شأنها وأجابوا أمرنا لهم بفتحها بإحدى المحلين المذكورين بالسمع والطاعة، ظهر لنا توجيه طائفة من الجيش معهم صحبة عمنا مولاي الأمين، وكاتبنا الفقيه السيد علي المسفيوي وخديمنا القائد مبارك بن الشليح وبعض الخاصة من عمالنا ومهندسين بقصد معاينة أحد المحلين المشار إليهما الذي يحد بلادكم وبلاد تكنة ليضل الانتفاع بها للجانبين، وتخطيط المرسى به والإتيان لحضرتنا بصورته والوقوف على المحل المسمى بالعجمية بـ”سانط كروز” والإتيان بصورته.
فإنشاء الميناء، الأطلسي بالداخلة سيجلب التنمية لداخل إفريقيا جنوب الصحراء خاصة إذا علمنا أن الطريق الدولية التي تنطلق من أكادير نحو بوركينا فاصو والسنغال وقبلها موريتانا وأفريقيا الوسطى وباقي دول الساحل ستفك العزلة عن تلك الشعوب وتعيد لها الحوية التجارية التي كانت تنعم بها قبل استعمار المغرب والهيمنة عليها، ناهيك عن انبعاث حضارتها وعودة الروح لمجتمعاتها المعتمدة على الإسلام الذي ينبني على العدل والمساوات انطلاقا من الحديث القائل (كلكم من آدم وآدم من تراب)، وقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وهو ما لا تعرفه الحضارة الغربية التي ترى أن الدول التحضرية لا بد لها من شعوب بدائية تخدمها، وهو ما أعطى للمغرب التميز الذي يحظى به عند الأفارقة، وشد شعوبها للإسلام والمسلمين الذين لا يرون في الإفريقي رؤى الأوربي له، وهو ما وجده المهاجرون الراغبون في العبور للقارة الأوربية التي لا تريد منهم إلا المؤهل تقنيا ومعرفيا لتستغله مثلما استغلت خيرات بلاده من قبل واليوم
فصل الصحراء عن المغرب هدفه ضرب الهوية الإسلامية به وبإفريقيا
إن مخطط فصل المغرب عن إفريقيا بواسطة كيان لا مقومات له ليس الهدف وراءه الاقتصاد والاستراتيجية فقط وإنما القضاء على مقومات الهوية الدينية الإسلامية في إفريقيا والمغرب، تلك الهوية التي زعزعت أركان الاستعمار وجعلته يغير مخططاته من الاستعمار المباشر لغير المباشر الذي يحكم بالوكالة مهددا عملاءه عندما يشتم منهم رائحة التمرد بالويل والثبور وعظائم الأمور باسم الديموقراطية وحقوق الأقليات، وهو الذي يقتل في العالم ليل نهار دون حسيب ولا رقيب.
لذلك نقول بأن استرجاع المغرب صحراءه ليس من مصلحة المغرب فقط والمنطقة المجاورة وإنما من مصلحة إفريقيا خاصة دول الساحل والصحراء التي أطبق عليها الاستعمار والكنيسة وحوَّلها لضيعة ومختبر ومكب للنفايات السامة، وهذا ما يجعل بعض المؤسسات لا تفتأ ترفع عقيرتها بالصياح هنا وهناك كما كانت يفعل رواد الاستعمار مع المغرب في القرن التاسع عشر، لكن خاب مسعاهم كما يخيب الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *