وشعار “امتلاك الحقيقة المطلقة” تهمة يرفعها أصحاب الملل المنحرفة، والمذاهب الزائفة في وجوه أهل السنة، ليقولوا لهم إنكم قد حكمتم على المخالف قبل الحوار فما هي فائدته؟
لاشك أن الإسلام يملك الحقيقة المطلقة في الله تعالى والغيبيات والتشريعات، لأنه هو الحق، وغيره المخالف له هو الباطل: “فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ”، هذا فيما يتعلق بالأمور الواضحة في النصوص الشرعية، أما فيما يتعلق بالأمور الخفية التي يختلف فيها المجتهدون من المسلمين فهذا لا يمكن فيه القول بامتلاك الحقيقة المطلقة لأحد من المجتهدين دون الآخر مع وجود الحقيقة في ذاتها ثابتة.
وللمجتهد أن يخطِّئ مخالفَه، ويعتقد بصواب قوله، أما الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة في أمر خفي، فهذا غير صحيح لأنه يوحي بعدم إعذار المخالف له المنضبط في نظره واجتهاده، وهذا لا يعني أن الحق في قضايا الاجتهاد نسبي لا يوجد فيه حقيقة في نفس الأمر، بل الحقيقة ثابتة والحق يمكن الوصول إليه في قضايا الاجتهاد، ولهذا كان المصيب من الجتهدين واحد والآخر مخطئ، وهذا هو الصواب خلافاً لمن زعم أن كل مجتهد مصيب، ففي الحديث : “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر”.
وشعار “إمتلاك الحقيقة المطلقة” تهمة يرفعها أصحاب الملل المنحرفة، والمذاهب الزائفة في وجوه أهل السنة، ليقولوا لهم إنكم قد حكمتم على المخالف قبل الحوار فما هي فائدته؟
والحقيقة أنه ليس هناك حوار بين أهل الإسلام وأهل الأديان غير حوار الدعوة وإقامة الأدلة العقلية المقنعة على صحة الحق، وليس المقصود بالحوار التوصل إلى نقاط مشتركة والعمل من خلالها وترك نقاط الخلاف والإعذار فيها، أو إعادة النظر في المنهج الإسلامي من حيث صحته أو تطبيقه وهذا المعنى في الحوار مناقض للتسليم بصدق هذا الدين الذي هو شرط أساسي في صحة الإيمان.
وهذا لا يعني أن أهل الإسلام غير قادرين على مناقشة غيرهم، بل هم أهل الحجة والبرهان، ولكن الدخول في الحوار بمفهومه السابق منهج غير مرضي في الشرع، ويتضمن الشك في الدين وهو كفر بالإسلام إذ من شروطه الأساسية: (اليقين).
ولا يفوتنا التنبيه هنا على أهمية مراعاة الفرق بين نظرية الحقيقة النسبية وما نتحدث عنه من ثوابت نسبية، فمراد التحرّريون أو من يسمَّون بـ (الليبراليين) ومن تأثر بهم في الحقيقة النسبية تكثير الصواب بتصويب المتناقضين على اعتبار أن كل واحد منهم يملك حقاً باعتبار، فالمسلم مصيب في معتقده معه حق نسبي، والملحد كذلك مصيب في إلحاده معه حق نسبي، والنتيجة لا إنكار إذ الكل مصيب باعتبار، أما الكلام على الثوابت النسبية فليس المراد به تصويب ما يجب أن يتقرر عند فلان من ثوابت نسبية، وإن كان قد قامت في حقه أمور يلزمه منها الثبوت على ما اختار، كما أنه لا يتعارض مع تقرير وجود ثوابت مطلقة مخالفها مذموم.