من آثار الإيمان باسم الله البصير ناصر عبد الغفور

– هل صفة البصر والرؤية بمعنى واحد؟
الذي يدل عليه اسم البصير بالتضمن( ) صفة البصر، لكن قد وردت نصوص من الكتابة والسنة في إثبات صفة الرؤية لله تعالى، من ذلك قوله تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”-التوبة:105-، وقوله جل جلاله: “أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى”-العلق:14-، وقوله: “إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى”-طه:46-.
وفي الحديث المرفوع عن ابن عمرو رضي الله عنهما: “إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”-أخرجه الترمذي وهو في صحيح الجامع:1887-.
وعن زهير بن أبي علقمة يرفعه:”إذا آتاك الله مالا فلير عليك فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا و لا يحب البؤس و لا التباؤس” 255 في صحيح الجامع.
والذي يظهر والله تعالى أعلى وأعلم أن هاتين الصفتين بمعنى واحد وأنه لا فرق بينهما، ولعل هذا ما جعل الإمام البيهقي رحمه الله تعالى يبوب في كتابه الأسماء و الصفات: “باب ما جاء في إثبات صفة البصر والرؤية و كلتاهما عبارتان عن معنى واحد”( ).
3- هل صفة البصر والنظر بمعنى واحد؟
أثبت الله تعالى ذكره لنفسه صفة “النظر” في عدة آيات، منها قوله جل شأنه:”إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(77)”-آل عمران-.
و قال جل في علاه: “قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129)”- الأعراف-.
كما وصف نبينا الكريم -عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم-الله تعالى بهذه الصفة في أكثر من حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم:” “إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء “-أخرجه الإمام أحمد وهو في الصحيحة:911-، وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه:”إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” -رواه مسلم-.
وفي الحديث المتفق عليه:”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعته لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل مائه فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك”.
فهل صفة النظر الثابتة في هذه النصوص وغيرها بمعنى البصر أم هناك فرق بينهما؟
نقل الإمام البيهقي رحمه الله تعالى عن بعض أهل العلم قوله:”النَّظَرُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ مُنْصَرِفٌ عَلَى وُجُوهٍ: 1- مِنْهَا نَظَرُ عِيَانٍ.
2- نَظَرُ انْتِظَارٍ.
3-نَظَرُ الدَّلائِلِ وَالاعْتِبَارِ.
4-نَظَرُ التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ( ).
فَمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: أَيْ: لا يَرْحَمُهُمْ، وَالنَّظَرُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، رَحْمَتُهُ لَهُمْ، وَرَأْفَتُهُ بِهِمْ، وَعَائِدَتُهُ عَلَيْهِمْ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: انْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ: أَيِ: ارْحَمْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ” .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:”وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” أي: برحمة منه لهم، بمعنى: لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة”( ).
وقال الراغب رحمه الله تعالى في مفرداته:”النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الروية، يقال نظرت فلم تنظر أي لم تتأمل ولم تترو، وقوله: “قل انظروا ماذا في السموات” أي تأملوا. واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة( )، قال -الله تعالى-:”وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة”، ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته، وتأملته…قال الله تعالى:”أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض” فذلك حث على تأمل حكمته في خلقها. ونظر الله تعالى إلى عباده: هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم( )، قال:”ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة”، وعلى ذلك قوله:”كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون”، والنظر الانتظار، يقال نظرته وأنتظرته أي أخرته( )، قال تعالى:”وانتظروا إنا منتظرون”… وقال:”قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين” وقال:”انظرونا نقتبس من نوركم”-“وما كانوا إذا منظرين”..ويستعمل النظر في التحير في الأمور نحو قوله :” فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون”.” .
وقال ابن جرير رحمه الله تعالى:” “ولا ينظر إليهم”، يقول: ولا يعطف عليهم بخير، مقتًا من الله لهم، كقول القائل لآخر:”انظُر إليّ نَظر الله إليك”، بمعنى: تعطف عليّ تعطّف الله عليك بخير ورحمة” .
وقال في موضع آخر:””فينظر كيف تعملون” يقول: فيرى ربكم ما تعملون بعدهم، من مسارعتكم في طاعته، وتثاقلكم عنها” .
فالحاصل، والعلم عند الله تعالى، أن النظر يأتي في حقه سبحانه بمعنى البصر والرؤية كما في قوله تعالى:” قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129)”-الأعراف-.
ويأتي بمعنى الرحمة والعطف والإحسان كما في قوله تعالى:”وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم…”.
يتبع إن شاء الله تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *