هل يأثم من لم يقبل طلب الصفح من أخيه المخطئ؟

من عظيم أخلاق المؤمن أنه يقبل العذر من المعتذر ويصفح عن المتعمد للخطأ في حقه، وليس ذلك بواجب حتمي عليه لكنه من كمال أخلاق المؤمنين، قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) البقرة/237، وقال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/22، وقال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) الشورى:40.
ويجب على من أخطأ في حق أخيه أن يبادر إلى الاعتذار له ويطلب منه العفو والصفح؛ فإنه بذلك يحقق مقاصد للشرع جليلة، من الألفة والمحبة وإزالة البغضاء والحقد من القلوب، وفي الاعتذار وطلب الصفح علاج للنفس من داء الكِبر والعُجب.
قال ابن حبان -رحمه الله-: “الاعتذار يُذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويُذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة، والإكثار منه يؤدي إلى الاتهام وسوء الرأي، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تُحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة”. انتهى من “روضة العقلاء” (ص:186).
والمسلم يقبل توبةَ المسيء المتعمد، وطلبه للصفح والعفو، ولو غلب على ظنه عدم صدقه في اعتذاره، فعلى المخطئ المبادرة إلى التوبة وطلب الصفح بصدق وإخلاص، وعلى المُساء إليه أن يصفح ويعفو.
قال ابن حبان -رحمه الله-: “لا يجب للمرء أن يعلن عقوبة من لم يعلن ذنبه، ولا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين: إما أن يكون صادقاً في اعتذاره أو كاذباً، فإن كان صادقاً فقد استحق العفو؛ لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات، وإن كان كاذباً فالواجب على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته، وخضوع الاعتذار وذلته، أن لا يعاقبه على الذنب السالف؛ بل يشكر له الإحسان المحدث الذي جاء به في اعتذاره، وليس يعيب المعتذر أن ذل وخضع في اعتذاره إلى أخيه” انتهى من “روضة العقلاء” (ص:184-185).
وأما ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضمن حديث طويل، وفيه: (أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ وَمَنَعَ رِفْدَهُ وَجَلَدَ عَبْدَهُ. قَالَ: أَفَلَا أَنْبِئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: من يبغض الناس ويبغضونه، قال: أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من لم يرج خيره ولم يؤمن شره) الحديث فقد رواه العقيلي في “الضعفاء” (4/324) وقال: “وليس لهذا الحديث طريق يثبت”. وينظر: “نصب الراية” للزيلعي (3/63)، و”إتحاف الخيرة” للبوصيري (7/407).
وما ذكر من العفو والصفح هو في حق المسيء المتعمد، وأما من أخطأ من غير قصد فلا ينبغي التردد في قبول اعتذاره، إذ ليس له إرادة في الخطأ والإساءة، ولم يترتب في ذمته حق للمُساء إليه، فإذا لم يُقبل اعتذاره فلن يلحقه حرج ولا عتب، وإنما اعتذاره يقوم في مقام البيان عن حاله لصاحبه، هذا مع أن خطأه هذا وعدم قصده لا يعفيه من تحمل المسؤولية المالية لصاحبه، إن كان ترتب على خطئه ضياع شيء من حقوقه المالية، أو تلف شيء من مال أخيه؛ فالعذر وعدم الذنب، لا يعفيه من تحمل الضمان المالي لأخيه.
وعلى المخطئ المسيء في حق أخيه -العامد منهم وغير عامد- أن يسلك السبيل الأقوم في الاعتذار لأخيه، ويكون ذلك بتحقيق أمور:
1. الإخلاص لله تعالى في اعتذاره.
2. الصدق في الاعتذار.
3. اختيار الوقت المناسب عند أخيه لتقديم اعتذاره.
4. اختيار الكلمات المناسبة للاعتذار.
5. ويفضل أن يكون بين يدي اعتذاره هدية مناسبة، فإن لم يتيسر له فيكثر من الثناء عليه والدعاء له بين يديه ومن خلفه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *