قال جل وعلا: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا”-مريم:4142-، فبدأ عليه السلام في ذم الآلهة التي تعبد من دون الله بصفتي السمع والبصر: “لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر”: أي كيف يستقيم عقلا وشرعا وفطرة أن تصرف عباداتك لمن هاته حاله فاقد للبصر، وتترك عبادة السميع البصير العليم الخبير؟ أإله لا يبصر شيئا ولا يرى عابده إله حقا؟ هذا والله عين السفه وعين الخسران.
يقول العلامة ابن عاشور عليه رحمة الغفور: “وابتدأ بالحجة الراجعة إلى الحِسّ إذ قال له: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر فذلك حجة محسوسة، ثم أتبعها بقوله: ولا يغني عنك شيئاً“([1]).
ويقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: “{إِذْ قَالَ لأبِيهِ} مهجنا له عبادة الأوثان: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} أي: لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى”([2])، ومن صفات كماله سبحانه صفة البصر، فهو سبحانه يرى عباده ويبصر داعيه وينظر إلى سائليه، كما قال تعالى: “الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ”-الشعراء:218-219- .
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تأويل كلام الخليل عليه السلام لأبيه آزر:”ما تصنع بعبادة الوَثَن الذي لا يسمع( وَلا يُبْصِرُ) شيئا(وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ) يقول: ولا يدفع عنك ضرّ شيء، إنما هو صورة مصوّرة لا تضرّ ولا تنفع، يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك، وإذا نزل بك ضرّ دفع عنك.”([3]).
– وقال جل في علاه: “وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”- غافر:20-، وفيه إشارة بألطف عبارة وتنبيه لكل لبيب أن الأصنام التي اتخذها المشركون آلهة لا تتصف لا بسمع ولا بصر بخلاف الإله الحق الذي كمل في سمعه وبصره، فكيف تصرف العبادة لأصنام لا تسمع ولا تبصر شيئا دون الله تعالى الذي يسمع الجهر والنجوى ويرى ما فوق السموات وما تحت الثرى، ففي إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى نفي لهما عن الأصنام والأنداد، قال العلامة التونسي ابن عاشور رحمه الله تعالى:” فالمراد من قوله :” (والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء): التذكير بعجز الذين يدعونهم وأنهم غير أهل للإِلهية، وهذه طريقة في إثبات صفة لموصوف ثم تعقيب ذلك بإظهار نقيضه فيما يُعدّ مساوياً له”([4]).
يقول الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى:” وفي هذا دلالة على أن العبادة حق للسميع البصير، الذي له كمال السمع وكمال البصر، وأما الأصنام فإن من دلائل بطلان عبادتها أنها لا تسمع ولا تبصر .”([5]).
——————————————–
([1] ) التحرير والتنوير:16/114.
([2] ) تيسير الرحمن:494.
([3] ) جامع البيان في تأويل آي القرآن:18/2013.
([4] ) التحرير والتنوير: 24/118.
([5] ) فقه الأسماء الحسنى:159.