قال الحاج الحسن بوعياد: “هذا المنشور فيه من الفائدة ما لا يخفى، أولا إظهار تمسك المغاربة بموقفهم ضد الظهير البربري المشئوم، وثانيا حظ الشعب على بقائه صامدا وفضح مناورات الاستعمار (الاحتلال) الفرنسي الصليبي.
أذيع في المغرب الأقصى منشور تحت عنوان، وهذا نصه:
حمدا لله وصلاة على رسوله:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ”
هذا نداء من الله ورسوله إليكم أيها المغاربة عن دينكم يستنهض هممكم، ويلهب حماسكم للدفاع عن دينكم الذي له بين أفئدتكم مكان قدسي ومنزلة عليا، فهل لكم آذان صاغية لهذا النداء الرباني، وقلوب واعية لما يشمله من تحذير وإنذار؟
لقد عرفتم تمام المعرفة، وعلمتم حق العلم، منذ ستة أشهر، ما عزمت عليه حكومة الحماية الفرنسية من إخراج إخواننا البربر عن الحظيرة الإسلامية، وإبعادهم عن حضن الدين المحمدي، وطردهم من التحاكم لما أنزل الله إلى تلك العوائد الجاهلية توطئة لتنصيرهم واعتناقهم الصليب، وقد اطلعتم بأنفسكم على ذلك الظهير الذي يخول للحكومة الحق في أن تفعل في إخواننا البرابرة كل ما تريد فأظهرتم من الغيرة والشعور ما رن صداه في أنحاء العالم.
لقد احتججتم وتظاهرتم والتجأتم إلى خالقكم العلي الأعلى ترجون منه أن يشملكم بلطفه ويحفظ دينه من كيد الكائدين، فتقدمتم إلى ميدان الجهاد تعلنون أنكم تقدمون أنفسكم وأموالكم ضحية الدفاع عن الملة والدين، حتى قام من أقصاه إلى أقصاه يرفع الاحتجاجات القاسية ويبرق البرقيات الساخطة إلى جلالة السلطان ووزارة خارجية فرنسا، على ما تعاملون به من الظلم والإرهاق وعلى ما تريده حكومة الحماية بكم من تكفير وتنصير.
ولكن ماذا كان موقف الحكومة الحامية أمام هذه الصرخات الشديدة يا ترى؟ لقد كان من المتوقع أن تعتبر أصوات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتسمع لشكواهم المتوالية من هذا الاعتداء الفظيع، فتقلع عن تنفيذ ذلك الظهير المشئوم وتسمح بمطالبكم التي قدمتموها لجلالة مولانا السلطان بواسطة وفدكم المين لتحقق بعض ما يدعيه رجالها من أنها دولة العدل والإنصاف ومؤسسة قواعد الحرية والمساواة. ولكنها أعربت عن ما تحمله من احتقار الأمم الإسلامية استهزاء بعواطفكم وعواطف أربعمائة مليون من المحمدين، فأعلنت اليوم على رؤوس الأشهاد وبواسطة مدير المالية العام أنها ما تزال مصممة على سياستها التبشيرية (التنصيرية) وعلى تنفيذ الخطة التي رسمها رجال الكنيسة وذلك بإضافة ملونين ونصف من الفرنك لميزانية البلاد مساعدة على تنفيذ الظهير البربري المعلوم زيادة على ما قرر في السنة الماضية من ملايين الفرنكات.
كلكم اليوم يشتكي من كثرة الضرائب وازديادها، وكلكم يشعر بالتفاحش الواقع في مبلغ ضرائب هذه السنة رغم الأزمة الاقتصادية التي اشتدت حلقاتها، فهل تدرون لماذا كانت هذه الضرائب متفاحشة؟ وهل تعلمون سبب مجاوزتها الحد المعتاد؟
إن ذلك لأجل أن تستعين الحكومة على تنفيذ خطتها المسيحية وتسيير برنامجها التبشيري القاضي بإبعاد البربر عن حظيرة الإسلام.
وبديهي أن إضافة مليونين ونصف من الفرنكات في الميزانية لأجل هذا الغرض متوقف على أن يضاف على الأهالي في ضرائبهم ما يتجمع منه ذلك المبلغ وأكثر منه ليمكن تحقيق آمال الكنيسة والاستعمار في القضاء على تجزئة وحدة بلادكم المقدسة، فهل أنتم مدركون أنكم على رغم أنوفكم، تدفعون من جيوبكم، ومن كد أيديكم وعرق جبينكم، ما يرصده الخصم لتكفيركم وتشتيت جامعتكم الكبرى؟
وهل أنتم شاعرون بمقاصد الحكومة نحوكم بعدما شاهدتم هذا وأكثر منه، وبعد ما رأيتموها تلزمكم اللعب بالقمار المعروف باسم (يا نصيب أو الطومبلا) جبرا عليكم ورغم كون القمار محرما في دينكم الحنيف؟ وهل تعلمون أين يصرف مدخول ذلك القمار المفروض؟ إنه سيدفع لجمعيات الصليب الأحمر لتستعين به على تبشيركم وتربية أبنائكم كفارا متنصرين.
أيها المغاربة المسلمون:
أي لذة تطيب لكم بعد هذه المشاهدات وأي حياة تزهو أعينكم بعد أن تروا دينكم الحنيف يحارب بأنواع الحرب والخداع، وتوجه إليه المكائد من كل ناحية وصوب رغبة القضاء عليه ومحو اسمه من عالم الوجود، وأنكم إذا تقاعستم عن العمل أو توانيتم فيه وملتم إلى جانب الدعة فإنما تعرضون وطنكم ودينكم لأعظم خطر يتهددها وأكبر ضربة توجه إليهما وأنتم غافلون.
تيقنوا أن موقفكم الحاضر من أهول المواقف وأخطرها، فلا تهنوا وترجعوا القهقرى، بعدما تقدمتم أشواطا بعيدة وخرجتم إلى ميدان المناضلة والكفاح.
وإياكم أن تغتروا ببعض المظاهر الخلابة التي تقوم بها الحكومة من ترميم بعض المساجد أو تزيينها فإنما ذلك ذر الرماد في العين وتلبيس عليكم حتى تدركوا الحقائق كما هي، وتدخلوا الشرك وأنتم نائمون، ثم إياكم أن تستمعوا لبعض الخونة والمنافقين الذين يأمرونكم بالإخلاد إلى الراحة والانحياز إلى الخمول وينصحوكم بعدم الدفاع عن دينكم وشريعتكم. فإنما هم جواسيس مارقون يفعلون ذلك تغريرا بكم، وإرضاء لأسيادهم رجال الحكومة حتى تعطف عليهم ببعض الوظائف والمرتبات، فيجب عليكم أن لا تعتدوا بأقوالهم وأن تعتبروهم مثل خصومكم الآخرين.
الثبات الثبات أيها المغاربة، والنضال النضال في سبيل الله والدفاع الدفاع عن دينكم، فإنكم إذا فرطتم في دينكم وسكتم عن ما يكاد له غضب الله عليكم غضبا لا يرضى عليكم بعده أبدا، أما إذا ثبتم في موقفكم ودافعتم عن دينكم وملتكم فإنكم تفوزون بالعز في الدنيا والسعادة في الآخرة، وذلك هو الفوز المبين.
لا تلهينكم زخارف هذه الحياة وما اكتسبتموه فيها من أموال وبنين عن أن تؤدوا الواجب نحو الملة والدين فتدخلوا في قوله تعالى: ” قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”.
فإلى الأمام أيها المغاربة للدفاع عن أمانتكم التي تحملتموها، فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، لا يؤخرنكم عن التمادي في حركتكم الخوف من الظلمة المستبدين فإنكم إذا فعلتم دخلتم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم”، فاصرخوا في وجه الظلمة قبل أن يتودع منكم، وإياكم والتغافل عن هذا الأمر الخطير فإن الناقد بصير؟