من وحي الفيسبوك بقلم ربيع السملالي

1- هذا الفيس مثل شوارعنا تماما، بدليل أنك حين تقوم بجولة خفيفة تريد من خلالها تبديل الجو وشم الهواء بعيدًا عن هذه الجدران الباردة، تقف في بعض المحلات والحوانيت لاقتناء بعض الأشياء بعد إغراء صاحب المحل (إعلان ممول)، أو تجد اثنين يتشاجران ويتسابّان ويتبادلان اللكمات فتحشر أنفك لترى ماذا يقع وما سبب الخناقة، فإن كنت شجاعا تتدخل بالتي هي أحسن آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وإن كان أحدهما من أبناء الدرب تدفعك الحمية والعصبية الجاهلية للدفاع عنه دون أن تعرف الظالم من المظلوم (وفي الفيس يقع هذا في تعليقات السفهاء)، أو تجد بعض المتبرجات في لباس فاضح لا يسترن إلا العورات المغلظة، فتتبعها بعينيك الجائعتين، وإن كنت فاسقا ترسل لها بعض كلمات الغزل (تهمس في أذنها في الشارع أو رسالة في الفيس). حتى إذا انتهيت من كل هذا وأمثاله عدت إلى بيتك متعبا مكدودا وإيمانك أضعف مما كان عليه قبل أن تنتظم في سلك هذه الشوارع الحقيقية والافتراضية، والعزلة خير وأبقى لمن كان يريد السلامة في دينه. والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف!

*****

2- لا ينبغي أن نُقيّم أكثر المنشورات على (فيسبوك) وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، من الناحية الفنية والبلاغية واللغوية، فهذه أمور توجد في بطون الكتب، أما التدوين السريع عبر هذه الأجهزة فتُقيّم من خلال ما تتركه في نفس المتلقي من أثر، فقد تنتقد غيرك من المشاهير وتظل تبحث عن هفواته اللغوية وأساليبه الأدبية وهو لا يشعر بك لأنه مشغول بما هو أكبر من تفكيرك السطحي، فهو يدعو الناس إلى ما يعتقده ويؤمن به بلغة يميل إليها الجمهور، قد تكون عامية وبلهجات محلية موقنا أن هذا الطريق أفضلُ بكثير من الكتابة بلغة الجاحظ والحريري والهمذاني التي لن يفهمها إلا قلة قليلة من المثقفين، وهو متابَع من طرف آلاف مؤلفة من البشر أغلبهم يضيق ذرعا بلغة الكتب الصفراء!..

فهو ليس غبيا لينمق المعاني ويكسوها بجواهر الألفاظ ويجلس ساعات من أجل موضوع تافه إذا فتشته لا تجده ذا قيمة، كفتاة دَمِيمة الخِلقة تحاول عبثا سترَ عيوبها بأثواب الحرير والديباج والمساحيق الدسمة!

هذه الكتابة تكون آنية ويسطرها المُدون في أي مكان وكيفما اتفق، في الحافلة أو السوق أو الشارع أو المقهى أو الحمام أو على سرير المرض وهلم جرا.

هذا وقد كنت قبل سنوات من المسرفين في ذم من يكتب بلغة العامة، وكانت لي صولات وجولات في مهاجمة من يفعل ذلك، لكن التجربة علمتني أنني كنت ضالا في هذا الباب وأن بني علمان كانوا أذكى مني بمراحل!!..

هذه ليست دعوة إلى ترك الكتابة باللغة الفصحى بل دعوة لترك التقعر والتشدق واستعراض عضلات اللسان على شباب هم أحوج إلى المضامين من القشور!

يقول أبو حامد الغزّالي -رحمه الله- في كتابه “الإحياء” (3/162):

“ولا يدخل في هذا تحسينُ كلام الخطابة والتذكير، مِن غير إفراطٍ وإغراب؛ فإن المقصود منها تحريكُ القلوب وتشويقها، وقبضُها وبَسطها؛ فلِرَشاقة اللفظ تأثيرٌ فيه، فهو لائق به، أما المحاولات التي تجرى لقضاء الحاجات، فلا يليق بها السجع والتَّـشَـدُّق والاشتغال به من التكلُّف المذموم، ولا باعثَ عليه إلا الرياء، وإظهارُ الفصاحة، والتَّميُّز بالبراعة، وكلُّ ذلك مذموم، يكرهه الشرع ويزجر عنه”. اهـ

*****

3- سائل يقول: هل يجوز لي أن أنشر على صفحتي أقوالا وأشعارًا غير منسوبة لأصحابها لشهرتها وشهرة قائليها؟

قلت: إن كانت هذه الأشعار والأقوال لأمثال للمتنبي وأبي تمام والبحتري وأبي العلاء والجاحظ والمبرد وابن قتيبة، وابن حزم وابن تيمية والشوكاني أو من تقدمهم من فحول الشعراء وكبار العلماء والأدباء =فيجب أن تضع -على الأقل- أقوالهم بين قوسين، وإن كانوا دونهم في الشهرة فلا يجوز بحال من الأحوال أن تنشر أقوالهم وأشعارهم بدون نسبة، لأن هذا التصرف فيه تلبيس وتمويه للقارئ الغافل فيظن تلك الأشعار من بضاعتك، وتلك الكلمات من جرابك، وأنت خلو من كل ذلك، ومن الجميل أن ندرب أنفسنا على نسبة الكلام إلى أصحابه في هذه المواقع، اقتداءً بأهل العلم والأدب والفكر الذين ينسبون كل قول لقائله مع ذكر المرجع أو المصدر وتعيين الصفحة ورقم الجزء إن كان الكتاب ذا أجزاء حتى لا يكونوا من المتشبّعين بما لم يعطوا.

فإن أبتْ نفسك إلا إخفاء أسماء من يبدعون فاكتب منقول أو راق لي أو مما قرأت. ومن سوء الأدب أن تقول (لقائلها) وأنت تعرفه كمعرفتك لأهل بيتك.

والله أعلم!

*****

4- هذه الأيام تظهر على الحائط الفيسبوكي نماذج للرقاة المرتزقة بسبب الإعلانات التمويلية، يسجلون مرئيات لنساء في حالات يرثى لها، وأبو صندالة الجاهلي يرقيها ويهدد الجني الذي يستبد بجسدها، ويستفسره ويحاوره ويناقشه عن الذي كان سببا في الاعتداء على هذه المرأة وسحرها، فيتكلم الجنيُّ بلسان المسكينة متهمة أناسا الله أعلم بحالهم.. وغير ذلك من هذه الطقوس الشيطانية التي يقوم بها أهل البطالة والكذب لجني الأموال من الساذجات اللواتي يسرع إليهن الوهم، وتستبدّ بأرواحهن الحيرة والقلق، فلا يجدن بدّا من الالتجاء إلى أمثال هؤلاء الرقاة المجرمين أعداء الله= ليعرضوا عليهم نفائس الأموال طلبا للشفاء وإبطال السحر وإخراج الجني من هذه الأجساد المنهكة على حد زعمهم، وفي الحقيقة أن هؤلاء (المساخيط) من الرقاة لا يخرجون لا جِنّا ولا عفريتا، ولكنهم يخرجون المال من بين أيدي الناس بطريقة ماكرة مستعينين على ذلك بلباس إسلامي أبيض ولحية مهذبة أنيقة وحفظ بعض آيات الله البينات حتى لا يقول أهل الغفلة والبعد عن الدين لا يمكن لهذا المسلم المستقيم الحامل لسبحته في يده الناعمة أن يخدعنا!!… وكل هذا أظنه صار واضحا لكل ذي عينين.

ولكن بيت القصيد في منشوري ومربط الفرس في أكتوبتي هو سؤال أطرحه: من أباح لك يا أيها الزُّعرور أن تشوه المرأة بهذه الطريقة المخزية على الفيسبوك، وأن تعرضها لساعات وهي تصرع وتتكشف في أسوأ حالاتها؟!

*****

5- حين أطالعُ كتبَ بعض المنحرفين، أرى من السموم بين السطور والكلمات ما يجعلني أتحسّر على أبناء المسلمين (الجاهلين) الذين قد يقرأون هذا الشَّر ويتأثرون به وقد يدافعون عنه، إذ ليس لهم من العلم ما يدفعون به هذا الفكر القاتل، وهذه الشبهات الفتاكة، لذلك كان من الواجب على الطلبة المبتدئين الابتعاد عن كتب العلمانيين والحداثيين والتنويريين والمبتدعة والمتحزبة، فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافة والعقيدة مازالت هشة والمعرفة ضئيلة.

ولاشك أن أغلب من انحرف من الشباب كان سببهم الأول في انحرافهم كتب أقوام ملحدين زنادقة، يسترون عوراتهم برداء الثقافة والعلم والأدب، وهم في الحقيقة كفرة فسقة فجرة يكرهون الله ويكيدون لأوليائه، جاء ذكر أمثالهم في القرآن الكريم في أكثر من آية، نذكر منها: ﴿والله يريدُ أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيمًا﴾ [النساء: 27].

*****

6- البعض يقع في الفتور والملل من القراءة بسبب أنه يركز على لون واحد من ألوان المعرفة، أو يسجن نفسه بين دفتي كتاب كبير الحجم لا يتجاوزه، وهذا خطأ في منهج القراءة، فالقارئ ينبغي أن يكون حُرّا في قراءته الذاتية، يدخل إلى بستانه (مكتبته) كل يوم ليقطف ما تميل إليه نفسه وما تهفو إليه ذائقته، لا يكلّف عقله ما لا يطيق ولا يحمل نفسه على ما تكره، كما هو الشأن في الكتب المدرسية التي تفرض على الطالب الذي لا يجد بدّا من ابتلاعها كدواء مرٍّ كريه!

أما الكتب الفلسفية والكلامية والسفسطائية فتلك لا أتحدث عنها فهي تعصف بالأذهان وتزرع الشقيقة في الدماغ، وتجعل غير المؤهلين لقراءتها يفتحون باب الدنيا ويغلقون باب المكتبة وراءهم في أسف ولا ندم.

*****

7- القراءة النقدية لا تكون بهذه الطريقة الصبيانية الهوجاء! تأخذ كتابا، وتسرع في قراءته باحثا عن الأخطاء والزلات لتنشرها بمرح طفولي في صفحتك التي تعج بالأميين الذين لم يقرأوا كتابا ذا شأن في حياتهم!

نحن لا نعظّم الأشخاص، ولا نقدس إلا الكتاب العزيز وما صح من السنة المطهرة، ولا نميل عن القصد، ولا نروم الشطط في تتبع زلات من له سابقة علم وخير وجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله!..

فالنقد يكون بروية بعيدا عن الحماس والتسرع، نقرأ الكتاب ونسجل ما يعرض لنا مما نراه خطأ ونجمع كل ذلك في ورقات أو مذكرة إلى أن ننتهي من الكتاب، ثم ننظر في كتب أخرى للمؤلف قبل الحكم عليه وعلى منهجه وعقيدته، وكما قال ابن تيمية: والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع!

فإن كنت تظن أن الشيخ سفر الحوالي كرشيد أيلال أو عدنان ابراهيم فأنت ضائع لا دواء لدائك إلا الضرب بالمجلد رقم عشرين من مجموع الفتاوى!

*****

8- لكل زمان وسائله، كان الأدباء قديما يكتبون مقالاتهم في الجرائد والمجلات، ثم بعد أن تتجمع لهم مقالات كثيرة يجمعونها بين دفتي كتاب، كما فعل طه حسين وشاكر وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات والطناحي وغيرهم كثير، أو يجمعها لهم طلابهم، وفي هذا العصر أصبح الأدباء والمفكرون والكتاب ينشرون عبر وسائل التواصل، ثم يجمع كثير منهم تلك التغريدات والشذرات والمنشورات بين دفتي كتاب لينتفع بها من لم تصله كلماتهم عبر هذه الوسائل، أذكر منهم سلمان العودة عبد الكريم بكار وحاتم العوني. وهذا شيء لا يخفى إلا على حمار في مسلاخ إنسان.

*****

9- كتب أحد مُقلّدة الكوثري: إنّ ابن تيمية لم يكن إماما، ولا مجتهدا، فأتباعه نفخوا فيه فأعطوه أكبر من حجمه!

فيعلق عليه الذُّبابُ الإلكتروني: سلمت يمينك يا أستاذنا، لقد وضعت يدك على الجرح!

ولو كانوا صادقين لقالوا له تبا لك يا أستاذ لقد أدخلت يدك في مكان لا يجوز ذِكره في مثل هذا التجمع!!

*****

10- بعض أدعياء التحقيق، يضايقونني بقولهم في هوامش كتب حمالات الحطب: (لم أجده)!، يقصدون حديثا من الأحاديث المروية عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم!.. ليشعروا القارئ أنهم قرأوا وتتبعوا كل كتب السنة، والحاصل أنهم لم يجدوه في المكتبة الشاملة حين بحثوا عنه بضغطة زر!

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *