فـي ظـلال آيـة إبراهيم الصغير

3- قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى} سورة الليل.
قصة الآية:
قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) قال ابن مسعود: يعني أبا بكر رضي الله عنه، قال القرطبي: وهو قول عامة المفسرين.
فالآية نزلت في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- صاحب رسول الله في هجرته، وخليفته من بعده، أفضل الأمة بعد نبيها، وقصتها كما يلي:
روي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبوبكر يعتق على الإسلام عجائز ونساء، قال: فقال له أبوه قحافة: أي بني! لو أنك أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون معك؟ فقال: يا أبت إنما أريد ما أريد.
تفسير الآية:
(فأما من أعطى)، أي: بدل وأعطى ما أمره الله بإعطائه من ماله، وما وهب له من فضله، قال قتادة: أعطى حق الله تعالى الذي عليه. وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه، وهو عام يشمل كل عطاء.
(واتقى)، أي: اتقى ربه، وابتعد عن محارمه التي نهى عنها، واجتنب ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها.
(وصدق بالحسنى)، قيل صدق بلا إله إلا الله، وقيل صدق بموعود الله.
وقيل: وصدق وأيقن بالخلف من الله على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعطى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه، وهذا قول أغلب المفسرين.

الدروس والعبر المستفادة من الآية:
1- فضل الإنفاق في سبيل الله، من قوله تعالى (فأما من أعطى) والثواب المرتب على ذلك. حيث رغبت شريعتنا المطهرة في الإنفاق، وحثت عليه، قال تعالى(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}الحديد7.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا).
2- الإخلاص لله، وربط الأعمال به، وتصحيح النية، مطلب شرعي وضرورة لقبول أي عمل، ولهذا كان الصديق يعرف ما يريد بفعله، الذي كان يبتغي به وجه الله عز وجل لا جزاء ممن كان يعتق.
3- فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، على قول من خصه بهذه الآية، وهو الذي نزلت آيات عدة في فضله وبيان مكانته.
4- أهمية التقوى وثمراتها، وكونها سبل النجاة، وقرينها العطاء، وخسة البخل وقرينه الاستغناء، وكونهما سبيلا الغواية والهلاك.
5- التخيير بين سعيين: سعي اليسرى الذي يمر عبر العطاء والتقوى والتصديق، وبين سعي العسرى المار عبر البخل والاستغناء والتكذيب.
6- تدل الآية الكريمة دلالة قاطعة على أن فعل الطاعة ييسر إلى طاعة أخرى، وفعل المعصية يدفع إلى معصية أخرى، من خلال الثنائية التالية (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) و(وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *