إضاءاتٌ (ج3) ربيع السملالي

* كثير من الإخوة والأخوات جمعهم الحُبُّ في الله وفرّقهم ربيع بن هادي المدخلي.
*****
* بعضُ النِّسَاء كطبعات الكتب التّجاريّة الرّديئة تغريك بمظهرها وزينتها الخارجية، ولا تكتشف أخطاءَها وعيوبها إلا بعد مرور الأيام وتعاقب اللّيالي.
*****
* الذين يُكثرون من ذِكر القهوة مع القراءة في الغالب لا يقرأون.. وبعض القرّاء الجادّين فإنّهم يقرأون ويكتبون وهم صائمون.
*****
* عوّد نَفْسَك على كتابة انطباعاتك عن كلّ كتابٍ تقرأه، واكتبْ ملاحظاتك بكلّ شجاعة وأدب، حتّى لو كان الكاتبُ ابنَ تيمية أو الشّوكاني، أو من أقرب المقرّبين إليك، ففي العلم لا تُحابِ أحدًا، وفِي الأدب الرّفيع اترك المجاملات والإسراف فيها جانبًا، ولا تكن كما قال الشّاعر:
وعين الرِّضا عن كلّ عيب كليلة…ولكنّ عين السخط تبدي المساويا
أما من يقول لك هل أنت أدرى من العالِم فلان، والأديب علان فاجعل كلامه دَبْرَ أُذنك وتحت قدمك وامضِ..
*****
* من أعجب العجب أن يفتخر طالبُ العلوم الشّرعية بعشقه للقراءة وجمعه للكتب، وانتهائه من مجلّدة في كلّ يومين أو ثلاثة أيام على أكثر تقدير، وأخلاقه لا تزيد مع تقادم الزّمن إلاّ انتكاسًا.. ذكر الإمامُ مالك في (الموطأ) أنّ عمر بن الخطاب استغرق في قراءة سورة البقرة أكثرَ من عشر سنوات.. لأنّ العلم عندهم يهتف بالعمل فإن أجابَ وإلاّ ارتحل. عن أبي عبد الرحمن السُّلَّمي قال: كنّا إذا تعلَّمنا عشرَ آياتٍ من القرآن لم نتعلّم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالَها وحرامَها وأمرَها ونهيَها.
فإيّاك يا ولدي أن تكثر من حُجَج الله عليك فتكون كالذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
*****
* أعود إلى بعض الكتب التي كنت قرأتها قبل عشرين سنة، فلا أجد فيها تلك الحرارة التي كانت تهيمنُ على الطّفل الذي كنتُه… الطّفل الذي كان لا يعرف من الحياة الأدبية إلا جُبران والمنفلوطي وميخائيل نعيمة.
*****
* بدأتُ حياتي الفكرية بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -طيّب الله ثراه-، فكان لي نعْمَ القائد في قراءاتي المتعددة، التي جاءت بعده.. وما نفعني الله بشيء كما نفعني بكتب هذا الإمام الرّباني الذي لا أقدّم عليه أحدًا بعد الأئمة الأربعة إلا ابن حزم الأندلسي الذي كان له القدح المعلّى في الأدب وفِي علوم وفنون شتّى.
*****
* ذكرَ نيكوس كازانتزاكيس في سيرته الذّاتية (تقرير إلى غريكو ص:83.84) أنّه في صغره شهد عاصفة قوية وأمطار شديدة أتت على محصولهم كلّه، ومحصول الجيران، فشرعت النساء تبكي وتولول، لضياع جهد العام كلّه، إلاّ أنه استفاد من أبيه درسًا نوّه به وجعل يذكره طول حياته، قال: كنتُ مبلّلا حتى العظم.. ركضت عائدًا نحو البيت شغوفًا برؤية ردّ فعل والدي. هل سيبكي؟ هل سيلعن؟ أم سيصرخ؟ وحين عبرتُ المنطقة الجافة رأيتُ أنّ عِنَبَنا كلّه قد راح.
وجدته واقفًا بلا حراك على العتبة وهو يعض شفته. وكانتْ أمّي واقفةً وراءه وهي تبكي.
وصرختُ: أبي لقد راح عنبنا.
فأجاب: نحن لم نرُح. اخرسْ.
لم أنسَ هذه اللّحظة طوالَ حياتي. وأعتقد أنّها نفعتني كدرس عظيم. في أزمات حياتي كنت دائمًا أتذكر أبي وهو واقفٌ بهدوء، دون حراك على العتبة، دون أن يلعن أو يتوسّل أو يبكي. بلا حراك كان يقف مراقبًا الخراب. ووحدَه بين الجيران كلّهم ظلّ محافظًا على كرامته البشرية.
قال ربيع: وهكذا ينبغي أن يتصرّف الأب أمام أبنائه، لاسيما في مثل هذه الأزمات ونوائب الدّهر، يقف بشموخ ورباطة جأش وقوة قلب كما وقف صدّام حسين أمام الموت والانتقام الرّافضي الأمريكي الجبان، فجعل النّاس تنسى كلّ ما أسلفه من ظلم وتجبّر ولا يذكرون إلا هذا الموقف المشرّف.
فأنت أيّها الأب مدرسة متنقّلة أمام أبنائك شعرت أم لم تشعر فكن رجلا أو مُتْ وأنت تحاول.
*****
* أنت إنسانٌ فاشل في الحياة لذلك لا تجد ما تفعله إلا الكتابة، والاختباء وراء الكتب، وبيع الوهم للقرّاء.. هذا ما قالته لي نفسي الغبية ذاتَ يوم حين منعتها من دُخول السينما لمشاهدة فيلم أكثر النّساء فيه لا يسترن إلاّ المسالك البولية..
*****
* أن تكتب موضوعًا بطريقتك وأسلوبك وبنظرة مختلفة عمن سبقوك إليه، فلابأس، فالمعاني مطروحة في الطريق كما يقول الجاحظ، لكن أن تتناول موضوعًا أصبح مبتذلا كمنديل تُمسح فيه الأيدي المتسخة فتلك وربي آفة من أكبر آفات الأدب والفكر.. أقول هذه الكلمة بعدما طالعت مقالة سخيفة في جريدة مغربية علمانية، لفتاة متبرجة انتزعت فكرتها انتزاعا من كتاب (جدد حياتك) للغزالي وأضافت عليها شيئا من كتاب (لا تحزن) للقرني وسمتها (زر مستشفى) تدعو فيها بأسلوب إنشائي هزيل المستوى إلى زيارة المستشفيات لمعرفة نعم الله عليك..
******
* أحبّ من الكتبِ تلك التي لا يتشدّق أصحابُها، ولا يميلون كلّ الميل في الانتصار لذواتهم، ولا يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا، ولا يقولون بأفواههم ما ليسَ في قلوبهم.
*****
* أحبّ القلم الحرّ الشّريف الذي لا يكتب حرفًا واحدًا ليدافع عن باطل، أو ليقرّ حكم طاغوت جاثم على أرواح هذه الأمّة..
*****
* أحبّ الاختصار في الكتب في غير إخلال بالمعنى، وأكره التّطويل المملّ الذي لا طائل من وراء حشوه.. وقد كتب سعد زغلول لمحمد عبده رسالةً قائلا في آخرها: اعذرني على التّطويل فلا وقت لديّ للاختصار.
******
* أحبُّ المصنّفات ذوات الفصول والأبواب الكثيرة، بحيث أستطيع قراءة الفصل وإعادته مرّات إلى أن أستوعبه.. وأضيقُ بالكتب التي يسترسل أصحابها في الكلام لحدّ السآمة والضّجر…
*****
* قالتْ لي ماذا تشتهي؟ فقلتُ: أشتهي رؤيةَ حجم مكتبتي بعد أن أبلغ من الكِبر عتيا ويشتعل الرّأسُ شيبًا.. وأن أرى ثمارَ أعمالي يانعةً قبل الرّحيل ومفارقة هذه الدّيار. كما أشتهي ألا تنطفِئ العينان منّي إلاّ بانطفاء عمري..
******
* ما أجملَ أن يناديك صديق فتعتذر له والدتُك قائلة: إنّه مشغول بالكتابة (أو القراءة) وقد أوصاني بعدم الاستجابة لأيّ طارق.. فارجع بسلام…
*****
* القراءة في الصّحف العَلْمانية كلَّ يوم تُصيبك بثلاثة أمراض: نسيان الله والدّار الآخرة، وفقدان الهُوية، والتّخلي عن اللّغة العربية (الفصيحة) بحيث تصبح لحّانةً لا تحفل بالنّحو وقواعد الإملاء.
*****
* قال إبليسُ في كتابه (تذكرة الفُجّار ج3 ص13) بإسناد فيه ثلاثة مجاهيل: الدّينُ لله والوطنُ للجميع.
صححه عبد العزيز الستاتي ووافقه محمد رويشة.
******
https://www.facebook.com/rabia.essamlali

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *